{وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَ نَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} الأنبياء: 87 – 88 |
تميـزت كلمة ننجي في هذه الآية بفصل حرف النون عن كامل الكلمة.. كما هو واضح من الرسم القرآني.. فهَلْ تَعْلَمُونَ نبياً رَكِبَ الْبَحْرَ و سَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِيْنَ.. ثُمَّ اَلْقَوهُ فِي الْبَحْرِ و اَلْتَقَمَهُ الْحُوتُ.. إنه يُوْنُسُ = ذَو النُّونِ = صَاحِبِ الْحُوتِ.. يُوْنُسُ u أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ الْكَرِيْمُ صِفَتَيْنِ ذَا الْنُّوْنِ و صَاحِبَ الْحُوْتِ، و بِمُقَارَنَةِ هَاذَيْنِ الاسْمَيْنِ جَعَلَ أَكْثَـرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَعْتَبِـرُوْنَ أَنَّ الْنُّوْنَ هُو الْحُوْتُ و قَالُوْا جَمْعَهُ نِيْنَانَ، و يُسَمَّىْ الْحُوْتُ نُوْناً مِنْ احْتِمَالِ أَنْ يَكُوْنَ الْحُوْتُ قَدْ عُرِفَ بِـ الْنُّوْنِ بَعْدَ قَصَّتْهُ مَعَ ذِيْ الْنُّوْنِ يُوْنُسَ u، و لاحِظْ أَيْضاً ذِكْرُ الْحُوْتِ ٤ مَرَّاتٍ فِيْ الْقُرْآَنِ الْكَرِيْمِ:
1. {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} الكهف: ٦١،
2.{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَ مَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} الكهف: ٦٣،
3. {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُو مُلِيمٌ} الصافات: ١٤٢،
4. {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَ هُو مَكْظُومٌ} القلم: ٤٨،
يُقَابِلُهُ ٤ مَرَّاتٍ ذِكْرٌ لاسْمِ يُونُسَ u،
1. {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الأَسْبَاطِ وَ عِيسَى وَ أَيُّوبَ وَ يُونُسَ وَ هَارُونَ وَ سُلَيْمَانَ وَ آتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} النساء: ١٦٣،
2. {وَ إِسْمَاعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطًا وَ كُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} الأنعام: ٨٦،
3. {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} يونس: ٩٨،
4. {وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} الصافات: ١٣٩،
و فِيْ الْتَفَكُّرِ فِيْ الآيتين الْتَالِيَتَيْنِ:
· {وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَ نَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} الأنبياء:٨٧ – ٨٨
· {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَ هُو مَكْظُومٌ} القلم: ٤٨
o فَمِنْ الْمَعْلُوْمِ أَنَّ الصَّاحِبُ مِنْ الْمُصَاحَبَةِ، و قَدْ حَصَلَ أَنْ صَاحَبَ يُوْنُسُ u الْحُوْتَ فَتْـرَةٍ مِنْ الْزَمَنِ، أَمَّا كَلِمَةَ ذَا النُّونِ فَفِيْهَا مُلازِمَةٌ كَمُلازَمَةِ الْصِّفَةُ لِلْمَوْصُوْفِ و هِيَ أَقْوَىْ مِنْ الْمُصَاحَبَةِ و أَطْوَلَ فِيْ الفَتْرَةِ الْزَّمَنِيَّةِ، فَيَدُلُّ عَلَىَ أَنَّ النُّونَ هُو الْحَرْفُ الْمَعْرُوْفِ و لَيْسَ الْحُوْتَ.
o و بِالْعَوْدَةِ إِلَىَ الْرَسْمِ بِالْمَصَاحِفِ نُلاحِظُ أَنَّ كَلِمَةَ نُنْجِيْ كُتِبَتْ فِيْ الْمُصْحَفِ نُـۨجِي عَلَىَ الْرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا تُقْرَأُ فَقَطْ نُنْجِيْ، و رُسِمَتْ الْنّوْنُ الْثَّانِيَةُ مُنْفَصِلَةً عَلَىَ الْنُّوْنِ و قَبْلَ الْجِيمِ و هَذِهِ الْمَرَّةُ الْوَحِيدَةُ فِيْ الْمُصْحَفِ الَّتِيْ كُتِبَتْ بِهَذَا الشَّكْلِ، حَيْثُ وَرَدَتْ نَفْسُ الْكَلِمَةِ:
– {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} يونس: ١٠٣،
– {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} مريم: ٧٢،
و لَكِنْ دُوْنَ فَصْلٍ لِلْنُّونِ.
oسُوْرَةُ الْقَلَمِ تُفْتَتَحْ بِحَرْفِ الْنُّوْنِ {ن وَ الْقَلَمِ وَ مَا يَسْطُرُونَ} القلم: ١، و قَبْلَ نِهَايَةِ الْسُوْرَةِ تَرِدُ قِصَّةُ صَاحِبِ الْحُوْتِ {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَ هُو مَكْظُومٌ} القلم: ٤٨، حَيْثُ وُصِفَ يُوْنُسَ u بِذِيْ الْنُّوْنِ بَلْ وُصِفَ بِصَاحِبِ الْحُوْتِ، و هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَىَ أَنَّ الْنُوْنَ هُو الْحَرْفُ فِعْلاً و لَيْسَ حُوْتاً، فَفِيْ سُوْرَةِ الأَنْبِيَاءِ فُصِلَتْ الْنُوْنُ الَّتِـيْ هِيَ حَرْفٌ، و فِيْ سُوْرَةِ الْقْلَمَ اسْتُهِلتُ بِنُوْنٍ الَّذِيْ هُو حَرْفٌ، فَالَقَسَمُ كَمَا هُو وَاضِحٌ بِالْحَرْفِ و الأَدَاةِ و الْكِتَابَةِ {ن وَ الْقَلَمِ وَ مَا يَسْطُرُونَ} القلم: ٤٨.
o فِيْ سِفْرِ يُوْنَا فِيْ الْعَهْدِ الْقَدِيْمِ بِالْلُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ يَتَحَدَّثُ عَنْ قِصّةِ الْنَّبِيّ الَّذِيْ الْتَقَمَهُ الْحُوْتُ و كَانَ رَسُوْلاً إِلَىَ أَهْلِ نِيْنَوَىْ، و فِيْ سِفْرِ يُوْنَانَ فِيْ الْتَّوْرَاةِ الْمُتَرْجَمَةِ إِلَىَ الْعَرَبِيَّةِ نَفْسُ الْقِصَّةِ، و فِيْ الْقُرْآَنِ الْكَرِيْمِ نَفْسُ قِصَّةِ الْنَّبِيّ يُوْنُسَ u، إِذَاً فَهُو فِيْ الْيَهُوْدِيَّةِ يُوْنَا و فِيْ الْنَّصْرَانِيَّةِ يُوْنَانَ و فِيْ الإِسْلامِ يُوْنُسَ u.
o الآَنَ الاسْمُ يُوْنَانَ اسْمُ بَلَدٍ أُوْرُوبِّي يَقَعُ عَلَىَ الْبَحْرِ الأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ، و بِالْقُرْبِ مِنْهُ بَحْرُ الْيُوْنَانِ الْمُسَمَّى يُوْنِيُوسُ، و هَذِهِ الْلَّفْظَةُ قَرِيْبَةٌ جِدّاً مِنْ لَفْظَةِ يُوْنُسَ، لَكِنْ:
– حَرْفُ الْسَّيْنِ فِيْ الْلُّغَةِ الْيُوْنَانِيَّةِ هِيَ عَلامَةُ رَفْعٍ لِلْمُذَكَّرِ، فَالاسْمُ يُوْنَا عِنْدَ رَفْعِهِ يُصْبِحُ يُوَناسِ، مَثَلُ: أرسطوطاليس، بِبَندْرِيُوسُ، كَرمّلِسَ… الْخَ، و كَلِمَةُ يُوَنَاسِ قَدْ تُخَفِّفُ الأَلِفُ مِنْهَا لِتُصْبِحَ يُوْنُسَ.
– حَرْفُ النَّوْنِ فِيْ الْلُّغَةِ الْيُوْنَانِيَّةِ هِيَ عَلامَةُ نَصْبٍ، فَالاسْمُ يُوْنَا عِنْدَ نَصْبِهِ يُصْبِحُ يُوْنَانَ، فَكَلِمَةُ يُوْنَانَ تَتَكَوَّنُ مَقْطَعَيْنِ يو- و- نَانِ، الْمَقْطَعُ يَو يَأْتِيَ فِيْ بَعْضِ الْلُّغَاتِ الَسَّامِيَةِ الْقَدِيْمَةِ بِمَعْنَىً ذُوْ، فَيَكُوْنُ مَعْنَى يُوْنَانَ فِيْ أَصْلِهِ الْسَّامِيّ ذُو– نَانِ أَيْ ذُو الْنُّوْنِ.
– و بِمَا أَنَّ الأُصُلَ فِيْ الْعَلَمِ الْمُذَكَّرِ أَنْ يَكُوْنَ مَرْفُوْعاً فَهُو إِذَنْ يُوْنُسَ، و الْنَّتِيجَةُ أَنَّ يَكُوُنَ مَعْنَى الاسْمِ يُوْنُسَ هُو ذُو الْنّوْنِ.. و الْنُّوْنِ هُو الْحَرْفُ.
o وَرَدَ فِيْ السِّيْرَةِ أَنَّهُ عِنْدَمَا ذَهَبَ الْرَسُوْلُ ﷺ إِلَىَ الْطَّائِفِ أَسَاءَ إِلَيْهِ الْصِّغارُ و الْكِبَارُ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَدَّاسْ الَّذِيْ هُو مِنْ نِيْنَوَىْ، فَسَأَلَهُ الْرَّسُوْلُ ﷺ: “قَرْيَةُ أَخِيْ يُوْنُسَ u؟“، فَهَذَا الْحَدِيْثُ لا يُشِيْرُ إِلَىَ أَنَّ نِيْنَوَىْ و هِيَ بَلَدُ الْمَوْصِلِ حَالِيّاً أَنَّهَا كَانَتْ الْبَلَدُ الَّتـِيْ نَشَأَ فِيْهَا يُوْنُسُ u أَو الْبَلَدُ الَّذِيْ آَمَنَ لِيُوْنُسَ u بَعْدَ إِذْ دَعَاهُمْ، فَقَدْ يَكُوْنُ يُونُسَ مِنْ نِيْنَوَىْ ثُمَّ أُرْسِلَ إِلَىَ قَوْمٍ آخَرِيْنَ بَعْدَ أَنْ غَاضَبَ قَوْمَهُ، أَو أَنْ يَكُوْنَ مِنْ فَلَسْطِيْنَ ثُمَّ أُرِسَلَ إِلَىَ أَهْلِ نِيْنَوَىْ، أَو يَكُوْنَ مِنْ نَيْنَوَىْ و أُرْسِلَ إِلَىَ أَهْلِهَا، و كُلُّ هَذِهِ الاحْتِمَالاتِ قَائِمَةٌ.
– {وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَ نَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} الأنبياء:٨٧ – ٨٨.
– {وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُو مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَ هُو سَقِيمٌ (١٤٥) وَ أَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَو يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} الصافات:١٣٩-١٤٨.
تُشِيْرُ الآَيَاتُ الْكَرِيْمَةُ فِيْ الْمَقْطَعِ الأوَّلِ مِنْ سَوْرَةِ الأَنْبِيَاءِ إِلَىَ أَنَّ يُوْنُسَ u قَدْ تَرَكَ الْمَكَانَ الَّذِيْ كَانَ فِيْهِ بَعْدَ مُغَاضَبَتِهِ قَوْمِهِ أَو غَيْرِهِمْ، و ظَنَّ أَنَّ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يُغَادِرَ الْمِكَانَ الَّذِيْ كَانَ فِيْهِ لأَنَّ الله I لَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْهِ فِيْ ذَلِكَ، و هَذَا الظَّنُّ كَانَ فِيْ غَيْـرِ مَحَلِّهِ، فَقَولُهُ I أَبَقَ إِلَىَ الْفُلْكِ الْمَشْحُوْنِ تُشِيْرُ إِلَىَ أَنَّ ذَهَابَهُ كَانَ كَذَهَابِ الْعَبْدِ الآبِقِ الَّذِيْ فَرَّ مِنْ سَيِّدِهِ.. و لا نَجْزِمُ بِأَنَّهُ كَانَ نَبِيّاً عِنَدَمّا فَعَلَ ذَلِكَ، فَالاحْتِمَالاتِ كَثِيَـرَةٌ و لا يُبْنـَىْ عَلَىَ الاحْتِمَالِ، و إِنْ كَانَ الْلائِقُ بِمَقَامِ الْنُّبُوَّةِ أْنْ نَقُوُلُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْنُّبُوَّةَ.
ثُّمَّ و بَعْدَ مُغَادَرَتِهِ مُغَاضِباً و حُصُوْلِ قِصَّتِهِ u مَعْ الْحُوْتِ، و وِفْقَ الْمَنْطِقِ الْجُغْرَافِيُّ فإِنَّ الْبَحْرَ الَّذِيْ تَلَقَّفَ الْحُوْتُ فِيْهِ يُوْنُسَ u هُو الْبَحْرُ الأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ، لأَنَّهُ أَقْرَبَ بَحْرٍ يُمْكِنُ أَنْ يُوْجَدَ فِيْهِ حِيَتَانٌ كَبِيْـرَّةٌ و أَقْرَبُ إِلَىَ مَدِيْنَةِ الْمَوْصِلِ مِنْ بَحْرِ الْعَرَبِ، و أَرْسَلَهُ الله إِلَىَ مَدِيْنَةٍ يَسْكُنُهَا مَا يُقَارِبُ الْمِائَةِ أَلْف نَسَمَة، و لَمْ تُصَرِّحْ الآَيَةُ الْكَرِيْمَةُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَىَ بَلَدِهِ الَّذِيْ غَادَرَهُ، و لَكِنْ تُشِيْرُ إِلَىَ ضَخَامَةِ الْبَلَدِ الَّذِيْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ u و إِيْمَانُ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ، أيْ أَنَّهُمْ تَأَثَّرَوا بِهِ و سَلَكُوْا طَرِيْقَهُ، و بِلادُ الْيُوْنَانِ قَبْلَ الْمِيْلادِ كَانَتْ تَتَأَلَّفُ مِنْ مُدُنٍ و مَمَالِك، و الْمَدِيْنَةُ تَتَأَلَّفُ مِنْ عَدَدٍ مِنْ الْسُكَّانِ يَكْفِيَ لِتَشْكِيلِ مَمْلَكَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ قَادِرِةٍ عَلَىَ الْدفَاعِ عَنْ نَفْسِهَا، و إِشَارَةُ الْقُرْآَنِ الْكَرِيْمِ إِلَىَ إِيْمَانِ هَذِهِ الْمَدِيْنَةِ يَعْنـِيْ أَنَّهُمْ قَدْ تَأَثَّرَوا بِدَعْوَةِ يُوْنُسَ u و ظَهَرَ هَذَا الْتَّأَثُرُ فِيْ وَاقِعِهِمْ و حَضَارَتِهِمْ، فَعَلَىَ مُسْتَوَىَ الأَسْمَاءِ غَلَبَ اسْمُ يُوْنَانَ عَلَىَ الْمَنْطَقَةِ و سُمِّيَ الْبَحْرُ بِاسْمِ يُونْيُوسُ، أَمَّا عَلَىَ الْمُسْتَوَىَ اللُّغَوِيَّ فَنَجِدُ أَنَّ الْيُوْنَانِيِّيْنَ قَدْ تَأَثَّرَوا بِالأَبَجَدِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَهُمْ لا يَزَالُونَ يَقُوْلُوْنَ أَلْفَا، بَيْتا، ثيتا، جَاما، دِلْتَا،… و الَّتـِيْ يُقَابِلُهَا مِنْ الْحُرُوْفِ الْعَرَبِيَّةِ أَبْجَدْ هَوَّزْ…، بَلْ أَنَّ ٧٠٪ مِنْ جُذُوْرِ الْلُّغَةِ الْيُوْنَانِيَّةِ تَرْجِعُ إِلَىَ أُصُوْلٍ عَرَبِيَّةٍ.
و بِالْنَّظَرِ إِلَىَ سُوْرَةِ يُوْنُسَ فَهـِيَ الْسُّوْرَةُ الْعَاشِرَةُ فِيْ تَرْتِيْبِ الْمُصْحَفِ و أَوَّلَ سُوْرَةٍ سُمِّيَتَ بِاسْمِ نَبـِيٍّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، و هِيَ تَتَصَدَّرُ مَجْمُوْعَةَ الْسَّوْرِ الَّتـِيْ تَبْدَأَ بِالأَحْرُفِ الْمُقَطَّعَةِ (آلر) و هِيَ يُوْنُسُ، هُوْدُ، يُوَسُفُ، الْرَّعْدُ، إِبْرَاهِيْمُ، الْحِجْرُ، و أَرْقَامُهَا فِيْ تَرْتِيْبِ الْمُصْحَفِ ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤، ١٥ و اخْتِيَارِ يُوْنُسَ أَوَّلَ الأَسْمَاءُ عَلَىَ الْرُّغْمِ مِنْ كَوَنَ إِبْرَاهِيْمَ u هُو الأبرَزُ فِيْ النَصِّ الْقُرْآنِيِّ، و كَذَلِكَ يُوَسُفَ و هُوَدَ عليهما السلام، و إِلَيْكَ مَطْلَعُ كُلِّ سُوْرَةٍ:
1. يونس: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} يونس: ١
2. هود: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} هود: ١
3. يوسف: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} يوسف: ١
4. الرعد: {المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} الرعد: ١
5. إبراهيم: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} إبراهيم: ١
6. الحجر: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ} الحجر: ١
أَكَدَّتْ الآَيَاتُ السِّتَّةِ عَلَىَ مَوْضُوْعِ الْكِتَابِ، و هَذَا يُوْحِيْ أَنَّ لِيُوْنُسَ u دَوْرَاً بَارِزَاً فِيْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ إِلَىَ دَرَجَةِ أَنْ يُسَمَّىْ ذَا الْنُوْنِ أَيْ ذَا الْحَرْفِ، كَذَلِكَ الآَيَاتِ الَّتـِيْ تَنْتَهـِيَ بِحَرْفِ الْنُوْنِ فِيْ سُوْرَةِ يُوْنُسَ هِيَ ٩٨ آَيَةً و هَذَا يُوَافِقُ رَقِمَ الآَيَةِ ٩٨ الَّتِيْ ذُكِرَ فِيْهَا قَوْمِ يُوْنُسَ.
وَرَدَتْ الإِشَارَةُ إِلَىَ قِصَّةِ يُوْنُسَ u فِيْ سُوْرَةِ الأَنْبِيَاءِ و الْصَّافَّاتِ و الَقَلَمِ، و لَمْ تَرِدْ الْقِصَّةُ فِيْ سُوْرَةِ يُوْنُسَ، و لَمْ يَرِدْ الْحَدِيثُ حَوْلَ يُوْنُسَ u و لَكِنْ وَرَدَ الْحَدِيثُ حَوْلَ قُوْمِ يُوْنُسَ {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} يونس: ٩٨.. آَيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ ذَكَرَتْ قَوْمَ يُوْنُسَ، و سُمِّيَتْ الْسُوْرَةُ يُوْنُسَ، و هَذَا يَعْنـِيْ أَنَّ إِيْمَانَ هَذِهِ الأُمَّةِ و الْمَنْفَعَةِ الَّتـِيْ تَحَصَّلَتْ نَتِيْجَةَ هَذَا الإِيْمَانِ هِيَ الْنُقْطَةُ الْمَرْكَزِيَّةُ الَّتـِيْ لا بُدَّ مِنْ الانْتِبَاهِ إِلَيْهَا فِيْ قِصَّةِ يُوْنُسَ u، و خُتِمَتْ الآْيَةُ و مَتَّعْنَاهُمْ إِلَىَ حِيْنٍ، و فِيْ هَذَا أَهَمِّيَّةُ الْحَدِيْثِ عَنْ الْفُرْصَةِ الَّتـِيْ حَصَلَتْ لَهُمْ فِيْ الْدُنْيَا نَتِيْجَةَ إِيْمَانِهِمْ، مِمَّا يَعْنـِيْ أَنَّهُ قَدْ يَكُوْنُ بِإِمْكَانِنَا أَنْ نَرْصُدَ ذَلِكَ تَارِيْخِيَّاً.
إِذَاً تَسْمِيَةُ الْنَّبـِيِّ يُوْنُسَ u ذَا الْنّوْنِ عَلَىَ اعْتِبَارِ أَنَّ الْنُّوْنَ تَرْمِزُ إِلَىَ حَرْفِ الْكِتَابَةِ الَّذِيْ لَهُ أَهَمِّيَّةٌ كَبِيْرَةٌ مِنْ بَيْنِ الْحُرُوْفِ الأَبَجَدِيَّةِ و مِنْهَا:
oفِيْ الْقُرْآَنِ الْكَرِيْمِ: نُلاحِظُ أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيْمَ قَدْ حلِف بِالْحَرْفِ ن و الأَدَاةِ و الْكِتَابَةِ فِيْ قَوْلِهِ I {ن وَ الْقَلَمِ وَ مَا يَسْطُرُونَ} القلم: ١، فَكَانَتْ الْنُّوْنُ هِيَ الَّتـِيْ تُمَثِّلُ جَمِيْعَ الْحُرُوْفِ، و فِيْ الْقُرْآَنِ الْكَرِيْمِ ٦٢٣٦ آَيَةٌ تَنْتَهـِيَ كُلُّ آَيَةٍ بِفَاصِلَةٍ، فَهُنَاكَ ٦٢٣٦ فَاصِلَةً أَكْثَـرُ مِنْ ٥٠٪ مِنْ الْفَوَاصِلِ الْقُرْآنِيَّةِ تَنْتَهـِيَ بِحَرْفِ الْنُوْنِ.
o فِيْ الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ: لِحَرْفِ الْنُوْنِ الدَّوْرُ الْمَرْكَزِيُّ فِيْ الإِعْرَابِ و الْتَّصْرِيفِ، و يَكْفِيَ مُلاحَظَةُ الآتِيَ:
– تَنْوِينُ الْفَتْحِ و الْضَّمِّ و الْكَسْرِ (كِتَاباً، كِتَابٌ، كِتَابٍ) تُخْتَمُ الْلَّفْظَةُ بِالْنُّوْنِ.
– الْتَثْنِيَةُ (ـان) و الْجَمْعُ (ــون) و (ــين) أَيْ تُخْتَمُ الْلَفْظَةُ بِالْنُوْنِ.
– نُوُنُ الْنِّسْوَةِ (يَذْهَبْنَ) تُخْتَمُ الْلَفْظَةُ بِالْنُوْنِ.
– نُوْنُ التَوَكَيدِ، و بِالْنُوْنِ الْمُخَفَّفَةِ.
– إنْ، أنْ، إنَّ، أنَّ.
– إِثْبَاتُ الْنُوْنِ و حَذَفُهَا فِيْ الإِعْرَابِ، و بِالذَّاتِ فِيْ الأَفْعَالِ الْخَمْسَةِ.
– لا تَجِدُ فِي الْلُغَةِ الْعَرَبِيَّةِ حرفاً آَخَرَ كَحَرْفِ الْنُوْنِ يَقُوْمُ عَلَيْهِ التَصْرِيْفُ و الإِعْرَابُ.
o في الكتابةِ: يُمْكِنُ الْزَّعْمَ أَنَّ الَّذِيْ وَضَعَ صُوَرِ الْحُرُوْفِ الأَبَجَدِيَّةِ قَامَ أَوَّلاً بِوَضْعِ صُوْرَةِ الْنوْنِ ( ) ثُمَّ قَامَ بِاشْتِقَاقِ بَاقِيْ صُوَرِ الْحُرُوْفِ مِنْ هَذِهِ الْصُوَرَةِ، فَمَثَلاً تَجِدُ الْحُرُوْفَ ب ت ث ج ح خ ع غ ق جَمِيْعُهَا رَسْمُهَا مُشْتَقٌ مِنْ رَسْمِ الْحَرْفِ نُوْنِ، و هَذَا أَمْرٌ يَسْهُلُ مُلاحَظَتُهُ عِنْدَ اسْتِعْرَاضِ صُوْرَةِ جَمِيعِ الحُرُوفِ عَدَا الأَلِفِ.
و فِيْ آَخِرِ الْمَطَافِ يَظْهَرُ لَنَا احْتِمَالَ أَنْ يَكُوْنَ يُوْنُسُ u هُو مَنْ وَضَعَ الأَبْجَدِيَّةِ، ثُمَّ تَأَثَّرَتْ بَاقِيْ الأُمَمَ الْغَرْبِيَّةِ بِهَذِهِ الأَبْجَدِيَّةِ، فَتَرْتِيبُ أَبْجَدِيَّةِ الْلُغَةِ الإِنْجِلِيْزِيَّةِ (ABCD-EFGH-IJKL-MNOP-QRST-XWYZ) يَتَوَافَقُ بِنِسْبَةٍ مَعَ تَرْتِيْبِ الأَبْجَدِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ (أَبْجَدْ هَوَّزْ حُطِّيْ كَلَمُنْ سَعْفَصْ قَرَشَتْ ثَخَذ ظَضغ)، و بِالْنَّظَرِ إلى الأزواج..
– (A،B) و (أ،ب)؛
– (K،L،M،N) و (ك،ل،م،ن)؛
– (Q،R،S،T) و (ق،ر،ش،ت)،
و مَا تَرْمِزُ إِلَيْهِ هَذِهِ الْحُرُوْفُ مِنْ حِسَابٍ، و الَّتـِيْ تُعْتَبَـرُ مِنْ أَهَمِّ الاكْتِشَافَاتِ فِيْ تَارِيْخِ الإنْسَانِيّةِ، فَالْيُونَانِيِّونَ مِنْ أَوَائِلِ مَنْ تَأَثَّرَ بِهَذِهِ الأَبْجَدِيَّةِ و أَخَذُوْهَا بِتَرْتِيْبِهَا الْمَعْرُوْفِ و مَا ارْتَبَطَ بِهَا مِنْ حِسَابٍ، و هُو مَا يُسَمَّىْ بِحِسَابِ الْجُمَّلِ، فَتَجِدُ الْرَّمْزَ V يُمَثِّلُ الْرَّقْمَ ٥ و الْرَّمْزَ X الْرَّقْمِ ١٠، و كَذَلِكَ عِنْدَ الْعَرَبِ (ي) يُمَثِّلُ الْرَّقْمَ ١٠.
· تأريخ موت السلطان برقوق عام 801هـ بكلمة (في المشمش) و التي وزنها في حساب الجمل = 801.
· تاريخ موت الشاعر الدلنجاوي عام 1123هـ بقوله (مات الشعر بعده) في القصيدة:
سألت الشعر هللك من صديق | و قد سكن الدلنجاوي لحده |
فصاح و خرّ مغشياً عليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه | و أصبح راقداً في القبر عنده |
فقلت لمن يقول الشعر: أقصر | لقد أرّختُ: (مات الشعر بعده) |
· تاريخ أحمد شوقي لديوانه عام 1317هـ بقوله (أليق ديوان ظهر)
مجموعة لأحمد.. معجزة فيها بهر
تغدّ في تاريخها.. (أليق ديوان ظهر)