وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا

وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ.. للأرقام في القرآن الكريم لغة جليّة لا ينكرها أحد، أو يدَّعي جهله بمدلولها الواضح.. هي لغة لها وجهها المعجز تمامًا كما للبلاغة اللغوية و العلمية.. فهي تتفاعل مع المعنى المراد في أدقّ تفاصيله لتعطي لوحة تصويرية واضحة لمن استطاع أن يتأمّل في عمق معانيها و يفهمها في هذا العصر، الذي هو العصر الرقمي بامتياز و بلا منازع، حيث أصبح للأرقام بلاغتها التي ربما تفوق بلاغة الكلمات.

·     الآيات تنطق بلغة الأرقام التي تضمّها.. فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَ لَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) طه..  هذه الآية تتحدّث عن القرآن و انقضاء وحيه.. لذلك جاء رقمها 114.. و عدد سور القرآن 114 سورة، و باكتمالها بهذا العدد انقضى الوحي.

·     أعوام الوحي.. إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا (23) الإنسان.. عندما كان الحديث عن تنزيل القرآن و تأكيد ذلك مرّتين في آية واحدة عدد كلماتها 6 كلمات فقط.. و بلغة الأرقام جاء رقمها 23 ليضيف تأكيدًا ثالثًا أنّ القرآن نزل في 23 عامًا.

·     ستين مسكينًا.. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَ لِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) المجادلة.. من بداية كلمة “سِتِّينَ” حتى نهاية الآية 60 حرفاً.

·     سبعين مرّة.. اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَو لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مرّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) التوبة.. من بداية كلمة “سَبْعِينَ” حتى نهاية الآية 70 حرفاً.

·     أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا.. إذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف.. عدد الكلمات إلى نهاية كَوْكَبًا هي 11 كلمة بما يماثل العدد المذكور في النص نفسه.. و عدد حروف اسم العدد نفسه: أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا 11 حرفاً.

·     أربعين ليلة.. وَ إِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) البقرة.. من بداية كلمة “أَرْبَعِينَ” حتى نهاية الآية 40 حرفاً.

·     أَرْبَعِينَ سَنَة.. قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) المائدة.. عدد حروف النص الذي تحته خط 40 حرفاً بما يماثل العدد المذكور في النص نفسه.. مجموع رقم الآية و كلماتها يساوي 40 أيضًا.

·     اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا.. وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ بَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَ آتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَ آمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ وَ أَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَ لَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) المائدة.. رقم الآية 12 المشار إليه نصًّا في الآية نفسها.

·     تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ.. وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَو بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَو صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) البقرة.. اقرأ الرقمين (ثَلاثَةِ) و(سَبْعَةٍ) بهذا الترتيب و تأمّل عدد كلمات الآية.. إنه 73 كلمة.. يتشكَّل عدد كلمات الآية من الرقمين الواردين فيها.. 3 و7.. ولاحظ رقم الآية 196، وهذا العدد = 7 × 7 × 4.. ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ.. هذا النص يتألّف من 10 كلمات.

وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا.. الْدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ الله مِنْ جَنَاحِ بَعُوْضَةٍ لأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ.. فَالمَوْتُ يُنْهِيَ كُلَّ شَيْءٍ.. يُنْهِيَ قُوَّةُ الْقَوَّيْ و ضَعْفُ الْضَّعِيِفِ، غِنـَى الْغَنِـّيُّ و فَقْرُ الْفَقِيـْرَ، صِحَّةُ الّصَحِيحُ و مَرَضُ الْمَرِيْضَ، وَ سَامَةُ الْوَسِيمِ و دَمَامَةُ الْدَّمِيْمَ.. فَمَا دَامَتْ الْدُّنْيَا مُنْقَطِعَةً فَهِيَ أَحْقَرُ عِنْدَ الله مِنْ أَنْ تَكُوْنَ ثَوَابَاً أَو عِقَابَاً، لِذَلِكَ قَدْ يُعْطِيَ I الْدُّنْيَا لِمَنْ يُحِبّ و لِمَنْ لا يُحِبْ، فَقَدْ أَعْطَىَ فِرْعَوْنَ الْمُلْكَ و هُو لا يُحِبّهُ، و أَعْطَىَ سُلَيْمَانَ u الْمُلْكَ و هُو يُحِبّهُ، أَعْطَىَ الْمَالَ لِقَارُوْنَ و هُو لا يُحِبّهُ، و أَعْطَاهُ لِمَنْ يُحِبُّ مِثْلُ عُثْمَانَ t.. فَالْمَالُ و الْمُلْكَ أُعْطِيَ لِمَنْ يُحِبُ و لِمَنْ لا يُحِبُ.. إِذَاً الْمَالُ و الْمُلْكُ لَيْسَا مِقْيَاسَاً لِلْمَحَبَّةِ، لَكِّنْ الَّذِيْ أَحَبَّهُ الله أَعْطَاهُ الْعِلْمَ {وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَ عِلْمًا وَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} القصص: ١٤.

فَالْعَطَاءُ الْحَقِيقِيِّ مِنْ الله U هو عَطَاءُ الْعِلْمِ و الْحِكْمَةِ {…وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} النساء: ١١٣، و لِلْمُقَارَنَةِ.. و لِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ.. فَالطِّفْلُ الْصَّغِيْرُ إِذَا قَالَ: مَعِيَ مَبْلَغَاً عَظِيْمَاً، فَهُو يَقِيْسُ بِمَا يَعْرِفُهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْطِّفْلُ وَالِدِهُ غَنِّيْ و قَالَ: مَعِيَ مَبْلَغَاً عَظِيْمَاً فَيَتَصَوَّرُ أَنَّهُ أَكَبْرَ مِنْ مِقِيَاسِ الْطِّفْلُ الَّذِيْ وَالِدِهُ فَقِيْراً، فَإِذَا قَالَ مَسْئُوْلٌ كَبِيْرٌ فِيْ دَوْلَةٍ عُظْمَىَ: أَعْدَدْنَا لِهَذِهِ الْحَرْبِ مَبْلَغَاً عَظِيْمَاً فَتَقَيْسَ عَلَىَ مَقْدِرَتِهَا، أَمَّا إِذَا قَالَ مَالِكُ الْمُلْكِ.. عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا.. عَظِيْمَاً بِعِظَمِ الْمُعْطِيَ و الْمُنْعِمِ U، إِذَنْ الْعَطَاءُ الْحَقِيقِيِّ أَنْ تَعْرِفَ الله I: “يَا ابْنَ آَدَمَ اطْلُبْنِي تَجِدْنِيْ فَإِنْ وَجَدْتَنِيْ وجَدْتَ كُلّ شَيْءٍ و إِنْ فُتُّكَ فَاتَكَ كُلّ شَيْءٍ و أَنَا أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ”، فَفَضْلٌ كَبِيْرٌ أَنْ تَعْرِفَ الله و أَسْمَاءَهُ الْحُسْنَىَ وَ صِفَاتَهُ الْفُضْلَىْ، ((لَو كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ)) الترمذي عن سهل بن سعد.. لِهَذَا لَمْ يَطْلُبْ الْرَّسُوْلُ ﷺ الاسْتِزَادَةُ مِنْ شَيْءٍ سِوَىْ الْعِلْمُ، و أَفْضَلُ العُلَوُمِ عِلْمُ الْقُرْآَنِ {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} طه: ١١٤.

{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْوَاكُمْ}محمد: ١٩، فَالَعِلْمُ قَبْلَ الْعَمَلِ و قَدْ فَضَّلَ الله I الَّذِيْنَ يَعْلَمُوْنَ عَلَىَ الَّذِيْنَ لا يَعْلَمُوْنَ {…هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} الزمر: ٩، و جَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ عَلَىَ أُلُوْهِيَّتِهِ I {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُو وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} آل عمران: ١٨، و وَهَبَ الْعِلْمَ لِلأَنْبِيَاءِ.. مِثْلُ يَعْقُوْبَ u {وَ لَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} يوسف: ٦٨، و الْصَّالِحِيْنَ مِثْلُ الْخَضِرِ {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَ عَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} الكهف: ٦٥، و افْتَخَرَ إِبْرَاهِيْمُ u بِعِلْمِهِ {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} مريم: ٤٣، و دَاوُدُ u {وَ عَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} الأنبياء: ٨٠، و سُلَيْمَانُ u {وَ وَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ} النمل: ١٦.

و أُحِلَّ أَكَلُ صَيْدِ الْحَيَوَانِ الْمُتَعَلِّمِ عَنْ الْجَاهِلِ {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} المائدة: ٤، و كَانَ الْهُدْهُدُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْعَالِمَةِ بِالْعَقِيْدَةِ و افْتَخِرَ بِعِلْمِهِ {وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠) لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَو لأَذْبَحَنَّهُ أَو لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَ لَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُهَا وَ قَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ يَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَ مَا تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُورَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}النمل:٢٠ – ٢٦.

فَاللَّهُ يَرْفَعُ الَّذِيْنَ يَعْلَمُوْنَ دَرَجَاتٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَ إِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} المجادلة: ١١، و هُنَا قَدَّمَ الْحَقّ I الأَدَبُ فَـ(افْسَحُوْا) وفَـ(انْشُزُوْا).. عَلَىَ الْعِلْمِ، و جَعَلَ الْعِلْمَ طَرْيقاً إِلَىَ قِيَامِ الْلَّيْلِ {أَمَّنْ هُو قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَ قَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَ يَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ}  الزمر: ٩، عَلَىَ أَنْ لا يَكُوْنَ عِلْمِهِمْ مَحْصُورَاً بِعُلُوْمِ الْدُّنْيَا {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُو أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُو أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} النجم: ٣٠، فَالْعَالِمُ يَزْدَادُ خَشْيَةً بِزِيَادَةِ عِلْمَهْ و قُرْبِهِ مِنْ الله {وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} فاطر: ٢٨، و ذَمَّ الله الْجَاهْلَ و شَبَّهَهُ بِالْحِمَارِ {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}  الجمعة: ٥، و شَبَّهَهُ بِالْكَلْبِ أَيْضاً {وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَ لَو شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَ لَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَو تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}الأعراف:١٧٥-١٧٦.

و الْقُرْآَنُ الْكَرِيْمِ يُخَاطِبُ أَرْبَعَ فِئَاتٍ مِنْ الْبَشَرِ خَصَّصَهَا فِيْ سُوْرَةِ الْرّوْمِ بِقَوْلِهِ I {وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَ مِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (٢٢) وَ مِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ ابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَ مِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَ طَمَعًا وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الروم: ٢١ – ٢٤، فَبَدَأَ بِالْتَّفَكُّرِ (يَتَفَكَّرُونَ) لِتُصْبِحَ عَالِمْاً (لِلْعَالِمِينَ) ثُمَّ أَنْ تَسْمَعَ (يَسْمَعُونَ) لِتُصْبِحَ عَاقِلاً (يَعْقِلُونَ).