{... وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} الأنعام : ٩٣.
لِلإِنْسَانِ
نَفْسٌ مُتَّصِلَةٌ بِالجَسَدِ و مشدودة عليه.. {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَ شَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَ إِذَا شِئْنَا
بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} و عَلَيْهَا يَقَعُ العَذَابُ و التنعيم..
فَيَنْتَقِلُ مِنْ خِلالِهَا إِلَى الرُّوحِ {... وَ لَو تَرَى إِذِ
الظَّالِمُونَ
فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ
عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَ كُنْتُمْ
عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} الأنعام: ٩٣، {وَ قَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ
عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَ هُو خَلَقَكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فصلت: ٢١، حَيْثُ إِنَّ
خُرُوجَهَا مِنْ الجَسَدِ يَعْنـِي المَوْتَ، فَهـِيَ مَنْ يُدِيرُ جَمِيعَ
العَمَلِيَّاتِ اللاإرَادِيّةِ فِي الجِسْمِ مِنْ نبضاتِ القَلْبِ و جَرَيَانِ
الدَّمِ و هَضْمِ الطَّعَامِ و ضَبْطِ التَّنَفُّسِ.. و مَا إِلَى ذَلِكَ، و قَدْ
تَتحَدّثُ إِلَيْكَ فَيُقَالُ "حَدِيثُ نَفْسٍ".. فَهِيَ
تُدِيرُ الجُزْءَ المَادِّيَّ مِنْ الجِسْمِ.
لكن..
هَذِهِ الرُّوحُ التـِي بَيْنَ جَنْبَيْنَا قَدْ تُوضَعُ فِي مَادَّةٍ غَيْـرِ
حَيَّةٍ.. و تَبْقَى و لا تَفْنـَى {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا
فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَ لا يَحْيَى} طه: 74، {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَ لا يَحْيَى} الأعلى: ١٣. بينما عِنْدَ
اِتِّصَالِ الجَسَدِ أَو الجِسْمِ بِالرُّوحِ الشَّرِيفَةِ مَعَ النَّفْسِ.. فَإنّ
هَذِهِ الرُّوحُ.. لَهَا القُدْرَةُ عَلَى الاِنْفِصَالِ الجُزْئِيِّ عَنْ
الجِسْمِ.. ثُمَّ العَوْدَةُ إِلَيْهِ.. {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ
حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى
عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الزمر: ٤٢، و ليتضح معنـى الآية
سأضع الأقوس التالية (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ (حِينَ
مَوْتِهَا
+ وَ الَّتِي لَمْ
تَمُتْ فِي مَنَامِهَا)) فَعِنْدَ الوَفَاةِ (و
هي ليست الموت) هناك حالتان:
1- (حِينَ مَوْتِهَا) أيْ عِنْدَ المَوْتِ فَتَنْفَصِلُ النفس و الروح كُلِّيًّا
عن الجسد.
2- (وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) هي متوفاة.. و يَكُونُ
مُسْتَقَرُّ الروح وَقْتَ النَّوْمِ فِي سِدْرَةِ المُنْتَهـَى.. فعَنْ مَالِكِ
بْنِ صَعْصَعَةَ: أَنَّ نَبِـيَّ اللَّهِ ﷺ حدَّثهم قَالَ:
(رُفِعَتْ لِي سِدْرَةِ الْمُنْتَهـَى فَإِذَا نَبِقُها مِثْلُ قِلال هَجَرَ و إِذَا
وَرَقُها مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ وَ إِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ
بَاطِنَانِ و نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ:
أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ و أَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ و الفُرَات) تعليق الشيخ الألباني
(الصحيحة)،
و قَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّطِيفُ الخَطِيبُ فِي تَفْسِيرِهِ
أَوْضَحَ التَّفَاسِيرَ قَوْلَهُ "الجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا شَجَرَةُ
نِبْقٍ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، عَنْ يَمِينِ العَرْشِ؛ يَسِيرُ فِي ظِلِّهَا
الرَّاكِبُ كَذَا مِنْ الأَعْوَامِ. و الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ السِّدْرَةَ لَيْسَتْ
كُمَا يَقُولُونَ، أَو يُرْوَوْنَ {وَ مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ
اللَّهُ}
آل
عمران: ٧
و
قَدْ يَكُونُ المُرَّادَ بِسِدْرَةِ المُنْتَهَى: الظِّلُّ الَّذِي تَفِيءُ
إِلَيْهِ الأَرْوَاحُ.. لِتَرْتَاحَ مِنْ حَرِّ الحَيَاةِ اللاَّفِحِ، و الوَاحَةُ الَّتِي
يَسْتَرِيحُ إِلَيْهَا المُتْعَبُ المَكْدُودُ؛ بَعْدَ أَنْ لاقَى فِي حَيَاتِهِ
الدُنْيَا مَا لاَقَىَ، و كَابَدَ فِي بَيْدَائِها المُحْرِقَةُ مَا كَابَدَ"..
إِذَاً
الرُّوحُ الشَّرِيفَةُ عِنْدَ النَّوْمِ تَنْفَصِلُ عَنْ الجَسَدِ و تَنْتَقِلُ
إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهـَى.. و تَبْقَى النَّفْسُ فِي الجَسَدِ لِلقِيَامِ
بِالعَمَلِيَّاتِ الحَيَوِيَّةِ و الصيانة.. و عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى
تَحْصُلُ الرُّؤَى.. أَو قَدْ يَحْصُلُ اللِّقَاءُ بِأَرْوَاحٍ أُخْرَى مَتَى مَا
شَاءَ اللَّهُ لَهَا أَنْ تَلْتَقِيَ.
الخُلاصَةُ: هُنَاكَ نَفْسٌ شَفَّافَةٌ
تُسَمَّى عِنْدَ الفيزيائيين هي (حَقْلٌ).. تَلَبَسُ هَذَا الجِسْمُ المَادِّيَّ و
تُدِيرُ عَمَلِيَّاتُهِ الحَيَوِيَّةِ و لَهَا شَهَوَاتٍ و مُتَطَلَّبَاتٍ
لِتُلَبّـِيَ حَاجَاتُ الجِسْمِ و هِيَ مَأسُورَةٌ فِيهِ {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَ شَدَدْنَا
أَسْرَهُمْ وَ إِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا
أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} الإنسان: ٢٨ و خُرُوجُهَا مِنْهُ يَعْنـِي المَوْتَ.. و هُنَاكَ
الرُّوحُ الشَّرِيفَةُ الَّتِي تَحْكُمُ هذا الجِسَمَ و النَّفْسَ مَعَاً.. و تَتَلَقَّى
مِنْهُمَا الَمَعْلومَاتِ و تُصَدِرُ لَهُمَا الأَوَامِرَ و التَّعْلِيمَاتِ.. و لَهَا
وَقَتٌ تَرْجِعُ فِيهِ إِلَى سِدْرَةِ الِمُنْتَهـَى عِنْدَ النَّوْمِ و تَعُودُ
مِنْهَا.. و لا نَرْبِطْ هَذِا بِالسُّرْعَةِ.. فَقَدْ يَكُونُ مَكَانُ
الْسِدْرَةِ قَرِيبٌ لَكِنَّهُ فِي بُعْدٍ آخَرَ لا تَرَاهُ العَيْنُ
المُجَرَّدَةُ (فِي الْفِيزِيَاءِ هُنَاكَ ١١ بُعْداً إِلَى الآنَ).. حَيْثُ إِنَّ
سِدْرَةَ المُنْتَهـَى يِخْرُجُ مِنْهَا نَهْرَيْ النِّيلُ و الفُرَاتُ و هِيَ فِي
السَّمَاءِ السَّابِعَةِ.. و بِهَذَا حَقَّقْنَا مَكَانَ و زَمَانَ الرُّؤَى.
الْمَرَائِي النَّوْمِيَّةُ
و مِمَّا
يَطِيبُ ذِكْرُهُ مَا أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ الطَّاهِرُ بِنْ عاشور فِي تَفْسِيرِهِ
الرَّائِعِ التَّحْرِيرَ و التنوير (مَعَ قَلِيلِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مفهوم
النَّفْسِ و الرُّوحِ).. حَيْثُ قَالَ: يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ
مِنْ زَوْجِهِ (رَاحِيلَ)، و هُو أَحَدُ الأَسْبَاطِ و كَانَ يُوسُفُ أَحَبَّ
أَبْنَاءِ يَعْقُوبَ عليهما السلام إِلَيْهِ، و الْتَقَطَهُ مِنَ الْبِئـْرِ
سَيَّارَةٌ مِنَ الْعَرَبِ الإِسْمَاعِيلِيِّينَ كَانُوا سَائِرِينَ فِي
طَرِيقِهِمْ إِلَى مِصْرَ، و بَاعُوهُ كَرَقِيقٍ فِي سُوقِ عَاصِمَةِ مِصْرَ
السُّفْلَى الَّتـِي كَانَتْ يَوْمَئِذٍ فِي حُكْمِ أُمَّةٍ مِنَ
الْكَنْعَانِيِّينَ يُعْرَفُونَ بِالْعَمَالِقَةِ أَو(الهكسوس)، و يَقْرُبُ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ فِي حُدُودِ سَنَةِ ١٧٢٩ ق.م.، فَاشْتَرَاهُ (فُوطِيفَارُ) رَئِيسُ
شُرْطَةِ فِرْعَوْنَ الْمُلَقَّبُ فِي الْقُرْآنِ بِالْعَزِيزِ، أَيْ رَئِيسُ
الْمَدِينَةِ، وَ حَدَثَتْ مَكِيدَةٌ لَهُ مِنْ زَوْجِ سَيِّدِهِ أُلْقِيَ
بِسَبَبِهَا فِي السِّجْنِ، و بِسَبَبِ رُؤْيَا رَأهَا الْمَلِكُ و عَبَّرَهَا
يُوسُفُ u و هُو فِي السِّجْنِ،
قَرَّبَهُ الْمَلِكُ إِلَيْهِ زُلْفَى، و أَوْلاهُ عَلَى جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ، و
هُو لَقَبُ الْعَزِيزِ، و فِي مُدَّةِ حُكْمِهِ جَلَبَ أَبَاهُ و أَقَارِبَهُ مِنَ
الْبَرِّيَّةِ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ، فَذَلِكَ سَبَبُ اسْتِيطَانِ بَنـِي
إِسْرَائِيلَ أَرْضَ مِصْرَ، و تُوُفِّيَ بِمِصْرَ فِي حُدُودِ سَنَةِ ١٦٣٥ ق.م،
وَ حُنِّطَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمِصْرِيَّةِ، و وُضِعَ فِي تَابُوتٍ، و أَوْصَى
قَبْلَ مَوتِه قَوْمَهُ بِأَنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ يَرْفَعُونَ
جَسَدَهُ مَعَهُمْ، و لَمَّا خَرَجَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ رَفَعُوا
تَابُوتَ يُوسُفَ u مَعَهُمْ و انْتَقَلُوهُ
مَعَهُمْ فِي رِحْلَتَهُم إِلَى أَنْ دَفَنُوهُ فِي (شَكِيمَ) فِي مُدَّةِ يُوشَعَ
بْنِ نُونَ.
عُدَّتِ
الْمَرَائِي النَّوْمِيَّةُ فِي أُصُولِ الْحِكْمَةِ الإِشْرَاقِيَّةِ و هِيَ مِنْ
تُرَاثِهَا عَنْ حِكْمَةِ الأَدْيَانِ السَّالِفَةِ مِثْلَ الْحَنِيفِيَّةِ، أَنَّ
الرُّوحَ هِيَ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتـِي مَقَرُّهَا الْعَالَمُ
الْعُلْوِيُّ، فَهـِيَ قَابِلَةٌ لاكْتِشَافِ الْكَائِنَاتِ عَلَى تَفَاوُتٍ فِي
هَذَا الْقَبُولِ، و أَنَّهَا تُودَعُ فِي جِسْمِ الْجَنِينِ عِنْدَ اكْتِمَالِ
طَوْرِ الْمُضْغَةِ (فِي الْيَوْمِ ١٢١)، و أَنَّ لِلنَّفْسِ النَّاطِقَةِ
آثَارًا مِنَ الانْكِشَافَاتِ.. إِذَا ظَهَرَتْ فَقَدْ يَنْتَقِشُ بَعْضُهَا
بِمَدَارِكِ صَاحِبِ الروحِ فِي لَوْحِ حِسِّهِ الْمُشْتَرَكِ، و قَدْ يَصْرِفُهُ
عَنِ الانْتِقَاشِ شَاغِلانِ: أَحَدُهُمَا حِسِّيٌّ خَارِجِيٌّ، و الآخَرُ
بَاطِنِيٌّ عَقْلِيٌّ أَو وَهْمـِيٌّ، و قُوَى النَّفْسِ مُتَجَاذِبَةٌ
مُتَنَازِعَةٌ.. فَإِذَا اشْتَدَّ بَعْضُهَا ضَعُفَ الْبَعْضُ الآخَرُ كَمَا إِذَا
هَاجَ الْغَضَبُ ضَعُفَتِ الشَّهْوَةُ، فَكَذَلِكَ إِنْ تَجَرَّدَ الْحِسُّ
الْبَاطِنُ لِلْعَمَلِ شُغِلَ عَنِ الْحِسِّ الظَّاهِرِ، و النَّوْمُ شَاغِلٌ
لِلْحِسِّ، فَإِذَا قَلَّتْ شَوَاغِلُ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ فَقَدْ
تَتَخَلَّصُ الرَّوْحُ عَنْ شَغْلِ مُخَيِّلاتِهَا، فَتَطَّلِعُ عَلَى أُمُورٍ
مُغَيَّبَةٍ، فَتَكُونُ الْمَنَامَاتُ الصَّادِقَةُ.
و الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ حَالَةٌ يُكْرِمُ اللَّهُ
بِهَا بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ الَّذِينَ زَكَتْ أَروَاحَهُم فَتَتَّصِلُ
بِتَعَلُّقَاتٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ و تَعَلُّقَاتٍ مِنْ إِرَادَتِهِ و قُدْرَتِهِ
و أَمْرِهِ التَّكْوِينِيِّ فَتَنْكَشِفُ بِهَا الأَشْيَاءُ الْمُغَيَّبَةُ
بِالزَّمَانِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، أَو الْمُغَيَّبَةُ بِالْمَكَانِ قَبْلَ اطِّلاعِ
النَّاسِ عَلَيْهَا اطِّلاعًا عَادِيًّا، و لذَلِك قَالَ النـبي ﷺ "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ
مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ و أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ
النُّبُوءَةِ"،(أيْ مَا يُعَادِلُ ٢٪ فَقَطْ) و قَدْ بَيَّنَ تَحْدِيدُ هَذِهِ النِّسْبَةِ
الْوَاقِعَةِ فِي الْحَدِيثِ فِي شُرُوحِ الْحَدِيثِ، و قَالَ: "لَمْ يَبْقَ
مِنَ النُّبُوءَةِ إِلاّ الْمُبَشِّرَاتِ و هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ
لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ يَرَاهَا أَو تُرَى لَهُ". و إِنَّمَا شُرِطَتِ
الْمُرَائِي الصَّادِقَةُ بِالنَّاسِ الصَّالِحِينَ لأَنَّ الارْتِيَاضَ عَلَى
الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ شَاغِلٌ لِلنَّفْسِ عَنِ السَّيِّئَاتِ، و لأَنَّ
الأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ ارْتِقَاءَاتٌ و كَمَالاتٌ فَهـِيَ مُعِينَةٌ
لِجَوْهَرِ الرَوْحِ عَلَى الاتِّصَالِ بِعَالَمِهَا الَّذِي خُلِقَتْ فِيهِ و أُنْزِلَتْ
مِنْهُ، و بِعَكْسِ ذَلِكَ الأَعْمَالُ السَّيِّئَةُ تُبْعِدُهَا عَنْ
مَأْلُوفَاتِهَا و تُبَلِّدُهَا و تُذَبْذِبُهَا.. و هذه الرُّؤْيَا مَرَاتِبُ..
سأذكر منها ثماني رؤى:
1. تَرَى
صُوَرَ أَفْعَالٍ تَتَحَقَّقُ أَمْثَالُهَا فِي الْوُجُودِ.. مثل رُؤْيا النَّبـِيِّ
ﷺ أَنَّهُ يُهَاجِرُ
مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ، وَ ظـَنُّهُ أَنَّ تِلْكَ الأَرْضَ
الْيَمَامَةُ فَظَهَرَ أَنَّهَا الْمَدِينَةُ، و لا شَكَّ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى الْمَدِينَةَ
وَجَدَهَا مُطَابِقَةً لِلصُّورَةِ الَّتـِي رَآهَا.. و مِثْلَ رُؤْيَاهُ
امْرَأَةً فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقيل لَهُ اكشفها فَهـِيَ زَوْجُكَ فَكَشَفَ
فَإِذَا هِيَ عَائِشَةُ، فَعَلِمَ أَنْ سَيَتَزَوَّجَهَا، و هَذَا النَّوْعُ
نَادِرٌ و حَالَةُ الْكَشْفِ فِيهِ قَوِيَّةٌ.
2. تَرَى
صُوَرًا تَكُونُ رُمُوزًا لِلْحَقَائِقِ الَّتـِي سَتَحْصُلُ أَو الَّتـِي
حَصَلَتْ فِي الْوَاقِعِ، و تِلْكَ مِنْ قَبِيلِ مُكَاشَفَةِ النَّفْسِ
لِلْمَعَانِي و الْمَوَاهِي و تَشْكِيلِ الْمُخَيِّلَةِ تِلْكَ الْحَقَائِقَ فِي
أَشْكَالٍ مَحْسُوسَةٍ.. هِيَ مِنْ مَظَاهِرَ تِلْكَ الْمَعَانِي، و هُو ضَرْبٌ
مِنْ ضُرُوبِ التَّشْبِيهِ و التَّمْثِيلِ الَّذِي تَخْتَرِعُهُ أَلْبَابُ
الْخُطَبَاءِ و الشُّعَرَاءِ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا تَخْتَرِعُهُ الأَلْبَابُ فِي
حَالَةِ هدوء الدِّمَاغِ مِنَ الشَّوَاغِلِ الشَّاغِلَةِ، فَيَكُونُ أَتْقَنَ و أَصْدَقَ،
و هَذَا أَكْثـَرُ أَنْوَاعِ الْمَرَائِي، و مِنْه رُؤْيا النَّبـِيِّ ﷺ أَنَّهُ يَشْرَبُ مِنْ قدحِ لبنٍ
حَتـَّى رَأَى الرِّيَّ فِي أَظْفَارِهِ ثُمَّ أَعْطَى فَضْلَهُ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ t و تَعْبِيـرُهُ ذَلِكَ
بِأَنَّهُ الْعِلْمُ" التحرير والتنوير (اِنْتَهـَى كَلامُ الطَّاهِرُ بِنْ عاشور).
3. فِي
غزوةِ بِدْرٍ حَيْثُ كَانَ الوَجَلُ شَدِيدًا و المُسْلِمُونَ يُوَاجِهُونَ
جَيْشًا يَفُوقُهُمْ عَدَدًا.. رَأَى النَّبـِيُّ مُحَمَّدٌ ﷺ فِي مَنَامٍ قَصِيرٍ
لَهُ جَيْشُ العَدُو قَلِيلاً فَتَشَجَّعَ {إِذْ يُرِيكَهُمُ
اللَّهُ فِي مَنَامِكَ
قَلِيلاً
وَ لَو أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَ لَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} الأنفال ٤٣.. و فِي نَفْسِ الوَقْتِ
رَأَى المُشْرِكُونَ المُؤَمِنِينَ قِلَّةً فِي العَدَدِ، أَيْ رَأَوْهُمْ عَلَى حَقِيقَتِهِمْ،
وَ عَلَى العَكْسِ رَأَى المُؤَمِّنُونَ المُشرِكِينَ قِلَّةٌ فِي العَدَدِ.. و الهَدَفُ
أَنْ يَتَشَجَّعَ المُؤَمِّنُونَ و يَتَغَلَّبُوا عَلَى مَخَاوِفِهُمْ فِي أَوَّلِ
لِقَاءٍ حَرْبِيٍّ لَهُمْ {وَ إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ
الْتَقَيْتُمْ فِي
أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَ يُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ
أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً} الأنفال ٤٤.
4. اِشْتَاقَ
النَّبـِيُّ مُحَمَّدٌ ﷺ لِلحَجِّ و رُؤْيَةِ
الحَرَمِ.. فَرَأَى فِي المَنَامِ أَنَّهُ يَدْخُلُ المَسْجِدَ الحَرَامَ بِأَصْحَابِهُ..
يُقِيمُونَ فِيهِ الشَّعَائِرَ فِي أَمْنٍ وسَلامٍ، و تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الرُؤيَا
{لَقَدْ
صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا
تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا
قَرِيبًا}
الفتح٢٧.
5. رَأَى
إِبْرَاهِيمُ u فِي المَنَامِ أَنَّهُ
يَذْبَحُ اِبْنَهُ إِسْمَاعِيلَ u،
و قَدْ فَهِمَ إِبْرَاهِيمُ u أَنَّهُ أَمَرٌ إِلَهـِيٌ
لَهُ بِأَنْ يَذْبَحَ وَحِيَدَهُ إِسْمَاعِيلَ u،
و بَادَرَ إِبْرَاهِيمُ u بِالسَّفَرِ لِتَنْفِيذِ
الرُّؤْيَا، فَنَجَحَ فِي اِخْتِبَارِ الطَّاعَةِ.. {وَ نَادَيْنَاهُ أَنْ
يَا إِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُو الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَ فَدَيْنَاهُ
بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَ تَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ} الصافات:١٠٤-١٠٩.
6. تَتَلَخَّصُ
رُؤْيَا يُوسُفُ u أَنَّهُ رَأَى فِي
المَنَامِ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا مَعَ الشَّمْسِ و القَمَرِ يَسْجُدُونَ لَهُ {إِذْ قَالَ يُوسُفُ
لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَ الشَّمْسَ
وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} يوسف ٤.. و جَاءَ تَأْوِيلُ
هَذِهِ الرُؤيَا فِي نِهَايَةِ القِصَّةِ {وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى
الْعَرْشِ وَ خَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَ قَالَ يَا أَبَتِ
هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} يوسف ١٠٠.. و نَرَى أَنَّ اللهَ
U
قَدْ جَعَلَ الآيَةَ الخَاصَّةَ بِهِ هِي قُدْرَتُهُ عَلَى (تعبير بمعرفة الرموز و
تأويل بمعرفة النتيجة) الرؤى.. أَو كَمَا فِي التَّعْبِـيرِ القُرْآنِيِّ
(تَأْوِيلُ الأَحَادِيثِ) و قَدْ قَالَ لَهُ أَبُوهُ {وَ كَذَلِكَ
يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} يوسف ٦.. و قَالَ U {وَ كَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي
الأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} يوسف ٢١.. و عَبـّرَ يُوسُفُ
فِي قِمَّةِ سَعَادَتِهِ عَنْ الحَمْدِ و الشُّكْرِ لِلهِ تَعَالَى عَلَى مَا
أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ نِعَمٍ و فَضْلٍ {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي
مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} يوسف ١٠١.
7. فِي
بِدَايَةِ السِّجْنِ يَرَى كُلٌّ مِنْ رَفِيقَيْهِ رُؤْيَا خَاصَّةً بِهِ،
السَّاقِي يَرَى فِي المَنَامِ أَنَّهُ يَعْصِرُ خَمْرًا، و الخَبَّازُ يَرَى
أَنَّهُ يَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِهِ خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرَ مِنْهُ.. {وَ دَخَلَ مَعَهُ
السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَ قَالَ الآخَرُ
إِنِّي أَرَانِي
أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا
بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} يوسف ٣٦، و قَامَ يُوسُفُ u بِتَأْوِيلٍ (معرفة النتيجة) هَذِهِ الرُؤَى
لِكُلٍ مِنْهُمَا {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا
أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي
رَبَّهُ خَمْرًا وَ أَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ
الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} يوسف٤١، و أَوْصَى السَّاقِي
أَنْ يَذْكُرَهُ لِلمَلِكِ حِينَ تَتَحَقَّقُ الرُؤيَا.. فَيَخْرُجُ و يَعْمَلُ
عِنْدَ المُلْكِ، و فِي هَذِهِ القِصَّةِ لِيُوسُفَ u نَرَاهُ يُعْلِنُ الآيَةَ الَّتـِي أَعْطَاهَا اللهُ تَعَالَى لَهُ
فَيَقُولُ لِصَاحِبَيْهِ فِي السِّجْنِ {قَالَ لاَ
يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا
بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا
عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ هُم
بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} يوسف٣٧.
8. بَعْدَ
سَنَوَاتٍ يَرَى المَلِكُ رُؤْيَا يَعْجِزُ أَصْحَابُهُ عَنْ تَأْوِيلِهَا {وَ قَالَ الْمَلِكُ
إِنِّي أَرَى
سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَ سَبْعَ سُنبُلاتٍ
خُضْرٍ وَ أُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ
لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} يوسف ٤٣، فَقَامَ يُوسُفُ u بِتَأْوِيلِ الرؤيا لِلمَلِكِ {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ
دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا
تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا
قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن
بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ} يوسف: ٤٩، و فِي تَأْوِيلِهِ
لِرُؤْيَا المَلِكِ يَأْتِي بِنَصِيحَةٍ تَحْوِي إعجازاً عِلْمِيًّا و آيَةً فِي
عِلْمِ الغَيْبِ {... فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً
مِّمَّا تَأْكُلُونَ... ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ
النَّاسُ وَ
فِيهِ يَعْصِرُونَ}، فالإعجَازُ العِلْمِـيُّ {.. فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ..} حَيْثُ إِنَّ أَفْضَلُ
طَرِيقَةٍ لِحِفْظِ القَمْحِ هي أَنْ يَبْقَى فِي سَنَابِلهِ، و آيَةُ عِلْمِ
الغَيْبِ الَّتـِي لا شَأْنَ لَهَا بِرُؤْيَا المَلِكِ هي قَوْلُ يُوسُفَ u {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ
يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يوسف: ٤٩.
يَتَلَخَّصُ كَلامِي حَتّـَى الآنَ عَنْ الرُّوحِ
أَنَّهَا ليست حَقْلٌ.. و هي غَيـْرُ النَّفْسِ و مُتَّصِلَةٌ بِسِدْرَةِ
المُنْتَهـَى.. و فِي حَالِ تَوجِدُهَا فِي سِدْرَةِ المُنْتَهـَى.. قَدْ يُؤَذَنُ
لَهَا و تَلْتَقِي مَعَ آخَرِينَ.. أَو تُحْمَّلُ رِسَالَةً رَمْزِيَّةً.. عَنْ
مُسْتَقْبَلِ الزَّمَنِ أَو مَاضِيهِ.. و تَأْوِيلُ هَذِهِ الأَحَادِيثِ تَحْتَاجُ
إِلَى مَهَارَةٍ و سُمُو نَفْسِيّ مِنْ المُتَحَدِّثِ الْرَائِي.. سَوَاءً كَانَ
مُؤمِنًا أَو كَافِرًا.. و مِنْ المُؤوّلِ لِهَذَا الحَدِيثِ.. و إِذَا دَخَلَ
الإِنْسَانُ فِي حَالَةِ وَفَاةٍ دِمَاغِيَّةٍ تَتَعَطَّلُ النَّفْسُ.. وَ تَبْقَى
الرُّوحُ.. و قَدْ تَشْعُرُ بِالمُحِيطِ حَوْلَهَا.. و هَذَا مُلاحَظٌ عِنْدَ
البنج الكَامِلِ لِلجِسْمِ، فَقَدْ أَوْرَدَ الدُّكْتُورُ مُصْطَفَى مَحْمُودٌ
يَرْحَمَهُ اللهُ فِي بَرْنَامَجِهِ المَعْرُوفِ "العِلْمِ والإِيمَانِ"،
أَنَّ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ تَعَرَّضُوا لِلْبَنْجِ الكَامِلِ مَنْ رَأَوْا
أَنْفُسَهُمْ فِي سَقْفِ الغُرْفَةِ، يُشَاهَدُونَ مَاذَا يَحْدُثُ لَهُمْ مِنْ
الأَطِبَّاءِ، و يَسْمَعُونَ كُلّ شَيءٍ، و بِعَدَهَا سَارُوا فِي سِرْدَابٍ
نِهَايَتُهُ نُورٌ شَدِيدٌ، أَفَاقُوا بَعْدَهُ مَرَّةً أُخْرَى، كَمَا أَنّ
أَحَدُهُمْ سَرَدَ حَقَائِقَ حَدَثَتْ مِنْ الطَّبِيبِ عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ.
لاحَظْنَا
أَنَّه عِنْدَ بَتْـرِ ذِراعٍ.. فَإِنَّ صَاحِبَهَا و بَعْدَ أَسَابِيعٍ مِنْ
عَمَلِيَّةِ الْبَتْـرِ.. يَشْعُرُ بِأَنَّ ذِراعَهُ فِي مَكَانِهَا وأَنَّه
يَسْتَطِيعُ أَنْ يُثْنـِيَ أَصابِعُهُ و أَنْ يَفْرِدُهَا و أَنْ يَقْبِضَ عَلَى
الأَشْيَاءِ.. و هَذَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْسِ الَّتـِي هِي حَقْلٌ مازالت
باقِيَةً حَيْثُ لا يَتِمَّ قَطْعُهَا مَعَ الْعُضْو الْمَقْطُوعِ.. و قَدْ
سَمَّاهَا بَعْضُ الأَطْبَاءِ الْعُضْو الشَّبَحَ.. كَمَا نُلاحِظُ هَذَا فِينَا
كَأَفْرَادٍ.. و ذَلِكَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ اِبْتِسَامَةٍ و اِبْتِسَامَةً..
فَلَو طَلَبَ مِنْكَ الْمُصَوِّرَ الاِبْتِسَامَةَ أَمَامَ الكَامِيِرَا.. مَهْمَا
عَمِلْتَ.. إلاّ أَنَّ الاِبْتِسَامَةَ سَتَظْهَرُ بَارِدَةً.. و هِي تَخْتَلِفُ
عَنِ الاِبْتِسَامَةِ الَّتِي تَكُونُ عَفْوِيَّةً وفِي مَوْقِفِ يَتَطَلَّبُ
الضَّحِكُ أَو الاِبْتِسَامَةَ.
و قَدْ
كَانَتْ هُنَاكَ مُحَاوَلاتٍ لِوَزْنِ الرّوحَ و الْنَفَسْ.. و أُعْطِيتْ النَفْسُ
وَزْنٌ مِقْدَارُهُ ٢١ جرَاماً.. فِي بِدَايَةِ التَّفْكِيـرِ بِوَزْنِهَا مِنْ
بَعْضِ عُلَمَاءِ الغَرْبِ.. و لَقَدْ اِنْشَغَلَ العَالِمُ البِرِيطَانِيُّ
الشَّهِيرُ (آرْثُر أَلَيُسَوُّنَّ) رَئِيسُ قِسْمِ الهَنْدَسَةِ
الكَهْرَبَائِيَّةِ و الإِلِكْتْرُونِيَّةِ بِجَامِعَةٍ لندنْ بِالطَّاقَةِ
المَوْجُودَةُ دَاخِلَ الإِنْسَانِ و هُو حَيٌّ.. ثم و هُو مَيِّتٌ، إِلَى أَنْ
وَجَدَ أَنَّ الإِنْسَانَ المَيِّتَ يَفْقِدُ شَيْئًا عِنْدَمَا يَمُوتُ فَيَقِلُّ
وَزْنَهُ، و لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَا هُو هَذَا الشَّيْءُ الَّذِي يَفْقِدُهُ
كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ وَزْنِهِ عِنْدَ المَوْتِ؟ فَبَعْدَ أَنْ حَضَرَ
المُؤْتَمَرُ العِلْمِيَّ الإِسْلامِيَّ فِي القَاهِرَةِ عَامَ ١٩٨٥م و لَمْ
يَكُنْ وَقْتُهَا مُسْلِمًا، جَاءَهُ طَالِبٌ مِصْرِيٌّ كَانَ يَدْرُسُ تَحْتَ
إِشْرَافِهِ و قَالَ لَهُ: أَلاَ أَدْلُكَ عَلَى طَرِيقَةٍ أَسْهَلَ لِوَزْنِ
الرُّوحِ.. زِنْ بِأَجْهِزَةِ قِيَاسِ الطَّاقَةِ، و قَارَنَّ الطَّاقَةُ فِي جَسَدِ
الإِنْسَانِ و هُو يَقِظٌ ثُمَّ و هُو نَائِمٌ.. لأَنَّ فِي اللُّغَةِ
العَرَبِيَّةِ كَلِمَةُ الوَفَاةِ تُطْلَقُ عَلَى النَّائِمِ و المَيِّتِ فَهُما
سَوَاءً.. و الفَرْقُ فِي الطَّاقَةِ بَيْنَ المَيِّتِ و الحَيِّ، تَمَامًا مِثْلُ
الفَرْقَ بَيْنَ النَّائِمُ و المُسْتَيْقِظُ، و هَذَا الفَرْقُ هُو نَتِيجَةَ
أَنَّ كَلاَّ مِنْ المَيِّتِ و النَّائِمُ تَخْرُجُ مِنْهُمَا (الرُّوحُ).
فَبَدَأَ العَالِمُ قِيَاسَاتِهُ فَوَجَدَ أَنَّ
النَّائِمَ يَفْقِدُ قَدْرًا مِنْ الطَّاقَةِ يُسَاوِي تَقْرِيبًا مَا يَفْقِدُهُ
المَيِّتُ، و عَرَفَ أَنَّ هَذَا النَّقْصَ فِي كِلْتَا الحَالَتَيْنِ نَاتِجٌ
عَنْ خُرُوجِ الرُّوحِ، فَقَالَ الطَّالِبُ: آيَةٌ مِنْ القُرْآنِ الكَرِيمِ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ
حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى
عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي
ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الزمر: ٤٢.. و فِي اللَّيْلَةِ
الخِتَامِيَّةَ لِلمُؤْتَمَرِ وَقَفَ البِرُوفِيسُورَ (آرْثُر أَلَيُسَوُن)
لِيُعْلِنَ أَمَامَ الجَمِيعِ أَنَّ الإِسْلامَ هُو دِينُ الحَقِّ، ثُمَّ نَطَقَ
بِالشَّهَادَتَيْنِ أَمَامَ الجَمِيعِ.. ثُمَّ أَعْلَنَ البِرُوفِيسُورُ
البِرِيطَانِيُّ عَنْ اِسْمِهِ الجَدِيدِ (عَبْدالله أَلَيُسَوُن) عبد
الله خياط – عكاظ ٢/٦/١٤٣٤ العدد: ٤٣١٧.
و كَلامُ
الله I يَصِلُ إِلَىَ سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ ﷺ يَحْمِلُهُ
الْرُّوْحُ الأَمِيْنُ جِبْرِيْلُ u، فَجِبْرِيلُ u كَمَا عَرَفَنَا عِنْدَ
الْكَلاَمِ عَنِ الْمَلاَئِكَةِ.. عَظِيِمُ الْقَدْرِ بَيْنَ الْمَلائِكَةِ.. و الْقُرْآَنُ
يَذْكُرُهُ بَيْنَهُمْ مُمَيِّـزَاً، و ممَا
يُوْحِيْ بِهَذِهِ الْمَكَانَةِ الْعَظِيْمَةِ قِيَامُهُ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ
أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا}النبأ: ٣٨، و فِيْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
أَيْضاً يَنـْزِلُ الْرُّوْحُ مَعَ الْمَلائِكَةِ بِأَوَامِرِ الله U فِيْ
الْخَلْقِ و الْرِّزْقِ و الْقَضَاءِ و الْقَدَرِ {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ
كُلِّ أَمْرٍ} القدر: ٤، و لَقَدْ وَرَدَتْ كَلِمَةُ الْرُّوْحِ ٢١ مَرَّةً ١٦ منها عن جِبْرِيْلِ u، بَيْنَما
تُوجَدُ أَرْبَعَ آيَاتٍ (٥ مَرَّاتٍ تَرِدُ فِيهَا كَلِمَةُ الرَّوْحِ)
تَرْتَبِطُ فِيهَا بِعالَمِ الأَمْرِ.. و تَعْنِي الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ و هِي:
1. {وَ
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ مَا
أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَ لَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ ثُمَّ
لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ
فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَ الْجِنُّ
عَلَى
أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ
بِمِثْلِهِ وَ لَوكَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} الإسراء:٨٥ – ٨٨.. و في هذه
الآيات يتضح أن الروح هنا القرآن من سياق مجموعة الآيات و تسلسلها عند عرض
التحدي على الإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ.
2. {رَفِيعُ
الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ
مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} غافر: ١٥.
3. {يُنَزِّلُ
الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ
مِنْ
أَمْرِهِ
عَلَى
مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا
فَاتَّقُونِ}
النحل: ٢.
4. {وَ
كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ وَ لا الإِيمَانُ وَ لَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ
نَشَاءُ مِنْ
عِبَادِنَا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الشورى: ٥٢.
و لِلْرُوحِ جِبْرِيْلِ u وَظَائِفُ
مُحَدَّدَةٌ بِالْنِّسْبَةِ لَلْعَلاقَةِ بَيْنَ الله I و الإنسانية،
فَهُو الَّذِيْ يَحْمِلُ الأَوَامِرَ الإِلَهِيَّةِ لِلإنسان، و لِهَذَا يَصِفُهُ
الْقُرْآنُ بِأَنَّهُ رَسُوْلٌ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثُمَّ أَمِينٍ} التكوير:١٩- ٢١، هَذَا الْكَلامُ الْهَائِلُ فِيْ
وَصْفِ جِبْرِيْلِ u، برَسُولٍ و ذِي قُوَّةٍ و مُطَاعٍ و مَكِينٍ و أَمِينٍ، و مِنْ أَهَمَّ صِفَاتِهِ و أَسْمَائِهِ هُو الْرُوْحُ لارْتِبَاطِ وَصْفُ الْرُّوْحِ بِالْمَهَامِّ أَو الأَوَامِرِ
الَّتِيْ تَتَلَخَصُ فِيْ الآتِيَ:-
1. حَمْلِ
الْكَلِمَةِ الإِلَهِيَّةِ أَو الأَمْرُ الإِلَهِيُ "كُنْ".
2. جِبْرِيْلُ
u هُو الَّذِيْ حَمَلَ
الأَمْرَ الإِلَهـِيِّ إلى آَدَمِ u،
و الله I يَقُوْلُ لِلْمَلائِكَةِ
فِيْ ذَلِكَ السِّيَاقِ {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ
سَاجِدِينَ} الحجر: ٢٩، فَالْيَاءُ فِيْ
كَلِمَةِ رُوْحِيْ تُفِيْدُ الْمِلْكِيَّةَ.
3. و
يُصَوِّرُ الْقُرْآَنَ مَجِيْءُ جِبْرِيْلُ u إِلَىَ مَرْيَمِ عَلَيْهَا الْسَّلامُ {فَاتَّخَذَتْ مِنْ
دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا
بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ
تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا
زَكِيًّا}
مريم:
١٧ - ١٩.
4. خَلَقَ
الله الْمَسِيْحَ u بِدُوْنِ أَبٍ و أَرْسَلَ الْرُّوحَ جِبْرِيْلَ u يَحْمِلُ الأَمْرَ الإِلَهـِيِّ كُنْ إِلَىَ الْسَيّدَةِ
مَرْيَمَ عليها السلام فَكَانَ بَشَرَاً سَوِيّاً، و كَوْنُ خَلْقِ الْمَسِيْحِ u مِثْلُ خَلْقِ آَدَمِ {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى
عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} آل عمران: ٥٩.
5. و
كَمَا قَالَ عَنْ خَلْقِ آَدَمِ u و نَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ
رُّوْحِيْ
قَالَ عَنْ خَلِقِ عِيْسَىْ u {وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ
فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَ جَعَلْنَاهَا وَ ابْنَهَا
آيَةً لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء: ٩١.
6. بِسَبَبِ
ارْتِبَاطِ الْمَسِيْحِ u بِجِبْرِيلَ u فَقَدْ أَصْبَحَ مِنْ أَلْقَابِ الْمَسِيْحِ
كَلِمَةُ الْرُّوْحِ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ
إِنَّمَا
الْمَسِيحُ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى
مَرْيَمَ
وَ
رُوحٌ مِنْهُ
فَآمِنُوا
بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ...} النساء: ١٧١.
7. و
مِنْ وَظَائِفِ الْرُّوْحِ جِبْرِيْلِ u الْنُّـزُوْلُ بِالْوَحْيِ و مَعَهُ مَلائِكَةَ الْوَحْيِ {يُنَزِّلُ
الْمَلائِكَةَ
بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى
مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا
فَاتَّقُونِ} النحل: ٢، {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ
ذُو الْعَرْشِ
يُلْقِي
الرُّوحَ
مِنْ
أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} غافر: ١٥.
8. نَزَلَ
الْرُوْحُ جِبْرِيْلَ u
بَوْحِيْ الْقُرْآَنِ عَلَىَ قَلْبِ خَاتَمِ الْنَّبِيّيْنَ ﷺ {قُلْ مَنْ كَانَ
عَدُوًّا
لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى
قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدًى
وَ بُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} البقرة: ٩٧.
9. و
يَقُوْلُ أَيَضَاً عَنْ الْقُرْآَنِ و نُزُوْلِ جِبِرْيلٍ u بِهِ {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ
بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدًى وَ بُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} النحل: ١٠٢، {وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ
رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ
لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} الشعراء:١٩٢ -١٩٥.
10. بِسَبَبِ
ارْتِبَاطِ الْقُرْآَنِ بالْرُوْحِ فَقَدْ اكْتَسَبَ
أَيْضاً وَصْفُ الْرُوْحِ.. {وَ كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ
تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَ لا الإِيمَانُ وَ لَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي
بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ} الشورى: ٥٢.
11. كَانَ
الْمُشْرِكُوْنَ مِنْ قُرَيْشٍ فِيْ عِنَادِهِمْ و جِدَالِهِمْ حَوْلَ الْقُرْآَنِ
الْكَرِيْمِ يَسْأَلُوْنَ عَنْ الْرُّوْحِ فَقَالَ I يَرُدّ عَلَيْهِمْ و يَرْبِطُ بَيْنَ الْرُوْحِ و أَمْرِ الله
تَعَالَىْ {وَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ مَا
أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَ لَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ
بِالَّذِي
أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ
ثُمَّ
لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً (٨٦) إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ
فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَ الْجِنُّ
عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ
بِمِثْلِهِ وَ لَو كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} الإسراء: ٨٥ -٨٨، إِذَاً فَالْحَدِيْثُ
هُنَا عَنْ الْرُّوْحِ و الْوَحْيِّ الْقُرْآنِيِّ، و لأَنَّ
جِبْرِيْلَ u مِنْ الْمَلأِ الأَعْلَىَ
فَهُو فَوْقَ إِدْرَاكِ الناس، و فِيْ نَفْسِ الْوَقْتِ فَإِنَّ الْنَّفْسَ
الْبَشَرِيَّةَ دَاخِلِنَا هِيَ مُسْتَوْدَعُ أَسْرَارِنَا و سَرِيْرَتِنَا و غَرائِزِنا،
أَيْ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَعْرِفَ الإِنْسَانُ مَا تُرِيْدُهُ نَفْسُهُ {بَلِ الإِنْسَانُ
عَلَى
نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَ لَو أَلْقَى
مَعَاذِيرَهُ} القيامة:١٤ - ١٥، فَالإِنْسَانُ
بَصِيْرٌ بِنَفْسِهِ و سَريرَتِهِ و لَكِنَّهُ لا يَعْلَمُ شَيِئَاً عَنْ
الْرُّوْحِ جِبْرِيْلِ u.
12. و
يَتْبَعُ وَظِيْفَةِ إِنْزَالِ الْوَحْيِ قِيَامُ الْرُّوْحُ جِبْرِيْلِ u بِتَأْيِيدِ الْمُؤْمِنِيْنَ الْمُتَمَسِّكِيْنَ
بِالْوَحْيِ {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ
الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَو كَانُوا آبَاءَهُمْ
أَو أَبْنَاءَهُمْ أَو إِخْوَانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي
قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَ يُدْخِلُهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ} المجادلة: ٢٢.
لِهَذَا فَعِنْدَمَا نَبَحَثُ عَنْ مُكَوَّنَاتِ
الإِنْسَانِ الأَسَاسِيَّةِ نَجِدُهَا نَفَسًا و روحًا و جَسَدًا، و الْقُرْآَنُ
الْكَرِيْمِ يَتَكَلَّمُ عَنْ أَبْنَاءِ آَدَمِ فِيْ جَمِيْعِ أَطْوَارِهِمْ
بِأَنَّهُمْ أَنْفُسٌ أولاً فِيْ جَمِيْعِ مَرَاحِلِ حَيَاتِهِمْ الْدُنْيَا و الأُخْرَى:
عِنْدَ الذَّرِ: {وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ
تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} الأعراف: ١٧٢.
عِنْدَ الخلقِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَ بَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَ الأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء: ١.
عِنْدَ التنويعِ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} الفجر: ٢٧، {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا
لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ
شَيْئًا نُكْرًا} الكهف: ٧٤، {وَ مَا
أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ
رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} يوسف: ٥٣، {وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} القيامة: ٢، فَهُنَاكَ أَرْبَعة أَنْوَاعٍ
مِنْ الأَنْفُسِ، النَّفسُ الْمُطْمَئِنَّةُ و الزَكِيَّةُ و الأَمَّارَةُ و اللَّوَّامَةُ.
عِنْدَ الهيمنةِ: {أَفَمَنْ هُو قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَ جَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ
أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَ صُدُّوا
عَنِ السَّبِيلِ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الرعد: ٣٣، {وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ
مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَ الأَنْفُسِ وَ الثَّمَرَاتِ وَ بَشِّرِ
الصَّابِرِينَ} البقرة:
١٥٥.
عِنْدَ الجِهادِ: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ لا
يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ...} التوبة: ١٢٠.
عِنْدَ الكفرِ: {وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَ
أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كَافِرُونَ} التوبة: ٨٥.
عِنْدَ الوفاةِ: {وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَ اللَّهُ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} المنافقون: ١١،{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ
إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}العنكبوت: ٥٧، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتِي لَمْ
تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ
الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ} الزمر: ٤٢، فَالنَّفْسُ هِيَ الَّتـِيْ
تَخْرُجُ مِنْ ثَوْبِهَا الْجَسَدِيَّ عِنْدَ الْمَوْتِ.
عِنْدَ البعثِ: {مَا خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ
إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ} لقمان: ٢٨.
عِنْدَ الحشرِ: {وَ جَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} ق: ٢١.
عِنْدَ الحسابِ: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَ هُمْ لا
يُظْلَمُونَ} النحل: ١١١، إِذَاً فَفِيْ دَاخِلِ كُلِّ
مِنَّا نَفْسٌ.
عِنْدَ الجنَّةِ: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ
مِنْ ذَهَبٍ وَ أَكْوَابٍ وَ فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ} الزخرف: ٧١، {فَلا
تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ
أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} السجدة: ١٧.
و لِلَّهِ U نَفْسٌ و ذاتٌ علية I و تقدّس ليس
كمثله شيء، و هو السميع البصير:
§ {وَ إِذْ
قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي
وَ أُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ
أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ
الْغُيُوبِ} المائدة:
١١٦
§ {قُلْ
لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} الأنعام: ١٢
§ {وَ إِذَا
جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ
مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ} الأنعام:
٥٤
§
{وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} طه: ٤١
§ {لا
يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ
مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا
مِنْهُمْ تُقَاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} آل عمران: ٢٨
{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} الأنعام : ٩٨ |
خلقنا الله I من نفس واحدة و هي الحيوان المنوي وحيد الخلية {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} .. فهذا الحيوان المنوي (يحمل النفس و هو كائن حيّ) يستقر في البويضة (ليس فيها حياة) .. و يلقحها ثم يتكون الجسد بالتكاثر الخلوي .. ثم تنشأ في الجسد الخصيتين (عند الذكور) و هي التـي تصبح مستودع جديد لحيوانات منوية (أنفس) جديدة.
خلقنا الله I من نفس واحدة و هي الحيوان المنوي وحيد الخلية {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}.. فهذا الحيوان المنوي (يحمل النفس و هو كائن حيّ) يستقر في البويضة (ليس فيها حياة).. و يلقحها ثم يتكون الجسد بالتكاثر الخلوي.. ثم تنشأ في الجسد الخصيتان (عند الذكور) و هي التـي تصبح مستودعاً جديداً لحيوانات منوية (أنفس) جديدة.

بعد الخلق و هو المخطط.. صار البُـرء.. و هي البداية (ارجع لسورة الطارق).. و هي الإيجاد.. ثم التصوير و هي مرحلة تشكيل الجسد.. ثم التسوية.. و هي اكتمال جميع الأعضاء و منها الأهم و هي السمع و البصر.. ثم الاعتدال و هو بقاء الرأس في أعلى الجسد {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} الانفطار: ٦ – ٨.. و هذه المراحل استغرقت مدة طويلة من الزمن تكوّن خلالها مجموعة كبيـرة من البشر.. و من هذا نستنتج أن الأطفال المتوحدين أو القبائل المتخلفة في جنوب الأرجنتين (و أدغال الأمازون).. هم من يمثلون هذا النوع من البشر.. لهذا حين يذكر الخالق U في كتابه الكريم كلمة (البشر).. يكونون مجردين من الروح كقوله تعالى:

- {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ و لَمْ أَكُ بَغِيًّا} مريم: ٢٠
- {و قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا و كَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ و أَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ و يَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} المؤمنون: ٣٣
- {فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ و لَوشَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} المؤمنون: ٢٤.

نتائج هذه النظرية (بعد الرجوع إلى سورة ص) خمس نقاط
مهمة و هي:
1-
الحيوان
المنوي يحمل حياة و يستقر في البويضة و ينشأ بالتكاثر الخلوي الكائن الحيّ الزيجوت..
إذاً فشكل اكتمال الزيجوت لأيّ سببٍ كان.. فسينزل من الرحِم قطعة لحم (دم) لا تحمل
أيّ شكل من أشكال الحياة.
2-
إذا استقر
الحيوان المنوي في البويضة و اكتمل نمو الزيجوت.. و لكن لم يحضر المَلك في يوم 121
لإضافة الروح إلى الكائن الحيّ المتكون.. لأيّ سببٍ كان.. فسيخرج المولود (جسد +
نفس) و هو كائن حيّ ينقصُه الروح.. و هذا المولود يكون من الأطفال المتوحدين.. فهم
جسد و نفس فقط (بدون روح) و يساوي بشراً.. و هذه مواصفات البشر قبل آدم u.. و هي كذلك الحيوانات جميعاً.. فهي تحمل الحياة،
و لكنها لا تحمل الروح.. علماً بأن النفس لوحدها لها قدرات قد تكون متميزة.. و هذا
ما نشاهده عند بعض الأطفال المتوحدين.
3-
إذا استقر
الحيوان المنوي في البويضة و اكتمل نمو الزيجوت.. و حضر المَلك في يوم 121 لإضافة
الروح إلى الكائن الحيّ المتكون.. فيجتمع الجسد و النفس و الروح فيولد الإنسان
الكامل.. و هذا أنا و أنت.
4-
الإنسان
الطبيعي جسد و نفس و روح.. و هنا يمكن تحييد الروح من هذا النظام باستخدام القرآن
الكريم الذي هو من عالمها (عالم الأمر)؛ فتظهر لنا النفس و تتحدث من منطلق الوعي
الجمعي.. و هذا (نسميه المسّ).. علماً بأن النفس تملك قدرات و معرفة كاملة بصاحبها
الروح.. لكن الروح أُعطي التحكم الكامل بالنفس و بالجسد (مثل فارس على فرس).
5-
الإنسان
الطبيعي جسد و نفس و روح.. و قد تمكّن الإنسان بالعلم و التدريب من اختـراق هذا
النظام و الوصول إلى النفس (التهكيـر الذهني – التنويم المغناطيسي).. فقد يتمكن
المتدرّب من استخدام التخاطر في نقل معلومة من نفسه إلى نفس أخرى.. أو أن يؤثر على
نفس إنسان آخر و يستشفّ منها معلومات أو يعطيها معلومات.. كأن يجعل الإنسان ينسى
اسمه.