مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَ لَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} البقرة: 189

السؤال في القرآن كان عن الأهلة (من حيث ظهورها و إعلانها)، فأجابهم الله بأنها (مواقيت)، و ليس فقط زمنية، بل مكانية أيضاً، لأنها هي التي يُعلن عندها الحاج بدء حجه، و أن هذه المواقيت يجب احترامها، فلا يُتجاوز الدخول إلى مكة إلا عبر هذه المواقيت (الأبواب)، و عدم الدخول بطريقة عشوائية (من ظهورها)، لأن ذلك مخالفٌ للشرع و يتطلب الفدية.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «وقَّت رسولُ اللهِ e لأهلِ المدينةِ ذا الحُليفةِ، و لأهلِ الشامِ الجُحفةَ، و لأهلِ نجدٍ قرنَ المنازلِ، و لأهلِ اليمنِ يَلَملَمَ. و قال: هُنَّ لهنَّ، و لكلِّ آتٍ أتى عليهنَّ من غيرهنَّ مِمَّن أراد الحجَّ و العمرةَ، و من كان دونَ ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهلُ مكةَ من مكةَ». و في رواية أخرى لمسلم قال: «حتى أهل مكة يهلون من بيوتهم».

هذا الحديث من الأحاديث الأساسية في باب المواقيت المكانية للحج و العمرة، وفيه يحدد النبي e بوضوحٍ المواضع التي يجب على المسلم أن يُحرم منها إذا نوى الحج أو العمرة، و هي:

الميقات

البلد الذي يُحرم منه

ذو الحليفة (أبيار علي)

لأهل المدينة المنورة

الجُحفة (رابغ حاليًا)

لأهل الشام و مصر وما حولها

قَرْن المنازل (السيل الكبير أو وادي محرم)

لأهل نجد و من جاء من الشرق

يَلَمْلَم (السعدية)

لأهل اليمن و ما جاورها

أما من كان داخل هذه المواقيت، فيُحرم من مكانه. و في الحديث خصوصية واضحة لأهل مكة و من كان بها، فقد قال النبي e: «حتى أهل مكة يهلون من مكة»، و في الرواية الثانية «حتى أهل مكة يهلون من بيوتهم». أي أن سكان مكة الذين يريدون الحج يُحرمون من داخل مكة، و لا يُلزمون بالخروج إلى المواقيت الخارجية.

أولاً: معنى الفعل (أهَلَّ) لغوياً:

فعل (أهَلَّ) له في اللغة العربية معانٍ واضحة منها ظهر و بدا:

  • يقال: “أهَلَّ الشهرُ” بمعنى ظهر الهلال.
  • يُقال أيضاً: “أهَلَّ فلان بوجهه” أي أطلَّ أو ظهر، و يقال “أهَلَّ فلان بالحج” إذا رفع صوته بالتلبية إعلانًا بدخوله في الإحرام، فالإهلال في اللغة هو رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الحج أو العمرة، فسُمِّي “إهلالًا” لرفع الصوت بها (لبيك اللهم لبيك)، و من هنا جاء اشتقاق «الأهلة» كإعلان بداية عبادة الحج أو العمرة من نقطة الانطلاق.

فكلمة “أهلة” إذا نظرنا لها من أصلها اللغوي، نجدها مشتقة من فعل الظهور و البروز، و منه أيضاً إعلان الدخول في العبادة، (أهلَّ، أهلة، إهلال) مستخدمة شرعيًا لبدء النسك، و بين المواقيت المكانية التي تكون موضع الإهلال.

ثانيًا: السياق القرآني للآية:

كلمة “مواقيت” في اللغة تعني تحديد الأوقات (زمانًا و مكانًا)، و الكتاب الكريم هنا لم يحدد أن المقصود فقط المواقيت الزمانية بشكل صريح، و إنما ذكرها عامة فقال ﴿مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ﴾، و هو يشمل تحديد وقت الحج تحديدًا (زمنيًا ومكانيًا) من حيث المبدأ اللغوي، و النبي ﷺ حدّد بالفعل مواقيت مكانية لدخول مكة، و هذه الأماكن معروفة و محددة باسم (مواقيت)، و لم تُسمَّ في السنة النبوية بـ(أهلة)، و لكن من المهم جداً ملاحظة التالي:

  • أن الرسول ﷺ في نفس الحديث استخدم لفظ يُهلون في قوله «حتى أهل مكة يهلون من مكة (أو من بيوتهم)» أي يُظهرون نية الحج برفع الصوت بالتلبية (إعلان واضح)، و هذا ارتباط لغوي واضح بين (أهلَّ) من الظهور و إعلان البدء، و بين المواقيت المكانية التي يُعلن فيها الناس بدء الحج (الإهلال).

ربط الآية بمسألة دخول البيوت من أبوابها:

  • السياق القرآني يتضمن النهي عن إتيان البيوت من ظهورها و الدعوة إلى إتيانها من أبوابها.
  • إن البيت في الآية هو (البيت الحرام).
  • إن الأبواب هي (المواقيت المكانية) الشرعية التي حددها الرسول ﷺ و هو تنظيم دخول مكة و حماية البيت الحرام من الدخول العشوائي غير المنضبط.
  • إن الإتيان من الظهور (دخول مخالف للمواقيت) و أمر مرفوض شرعاً.

الحكمة من تحديد هذه المواقيت:

1.    تنظيم الحج و العمرة: جعل الدخول إلى مكة منظَّمًا، و ليس عشوائيًا. فكلّ مسلم يدخل من ميقاته، و من دخل مكة فإنه يُحرم من مكانه داخل مكة.

2.    تكريم مكة و أهلها: خصَّ أهل مكة بعدم إلزامهم الخروج من بلدهم إلى موضع خارجي، تخفيفًا عنهم، و تكريمًا لبلدهم.

3.    ربط الحج بالانضباط: تؤكد هذه المواقيت على ضرورة الالتزام بأوامر الله و النظام الشرعي، و هو ما أشار إليه الكتاب الكريم في قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ﴾ البقرة: 189.

 

****

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart