{اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ
زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَ لَو
لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ
يَشَاءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} النور: ٣٥ |
بِمَا
أَنَّ الإِيْمَانَ يَشْمَلُ الأُمُورَ الْغَيْبِيَّةِ فَنَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَىَ
نُوُرٍ يَضِيءُ لَنَا الْمُغَيَّبُ و يُجَلِّيْهِ، لِهَذَا:
–
الْقُرْآَنُ نُوْرٌ مِنْ الله I {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ
آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ
أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة: ٢٥٧
–
هَذَا يَتِمُّ مِنْ خِلالِ
الْقُرْآَنِ {يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا
كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتَابٌ مُبِينٌ} المائدة: ١٥
–
و كَمْ كَانَتْ مِنْ مُحَاوَلَةٍ
لِلْمُشْرِكِيْنَ و أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يُطْفِئُوهُ {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَ يَأْبَى
اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوكَرِهَ الْكَافِرُونَ} التوبة: ٣٢
–
فَهُو لِلْنَّاسِ كَافَّةٌ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ
رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} النساء: ١٧٤
–
و هُو لِلْمُؤْمِنِيْنَ {…وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ
اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} النور: ٤٠
–
{…وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِرْ
لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الحديد: ٢٨
–
{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ
كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَ الزُّبُرِ وَ الْكِتَابِ الْمُنِيرِ} آل عمران: ١٨٤
إِذَاً
الْوَحْيُ نُوْرٌ مِنْ الله، و مَنْ يَلْتَـزِمُ دِيْنَ الله و يُجَاهِدُ نَفْسَهُ
و شَّهَواتِهُ يَكُوْنُ لَهُ نُوُرْاً يَمْشِيَ بِهِ فِيْ الْنَّاسِ، كَمَا
أَنَّ الْكُتُبَ الَّتـِيْ أَنْزَلَهَا
الله عَلَىَ رُسُلِهِ هِيَ نُوَرٌ و مُنِيْـرَةٌ، و الْعِلْمُ نُوَرٌ و الْفِطْرَةُ
الْسَّوِيَّةِ نُوَرٌ، و الْضَّوْءُ الَّذِيْ تَرَاهُ الْعَيْنُ كَذَلِكَ نُوَرٌ {هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ
ضِيَاءً وَ الْقَمَرَ نُورًا وَ قَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ
وَ الْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يونس: ٥.
و مِنْ
سُوَرِ الْقُرْآَنِ سُوْرَةُ الْنُّوْرِ، مَا يَعْنِـيْ أَنَّ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةَ هِيَ الْمَسْالَةُ الْمَرْكَزِيَّةُ فِيْ هَذِهِ الْسُّوْرَةِ،
فَسُوْرَةُ الْنُّوْرِ تُرَكِّزُ عَلَىَ الْمَسَائِلِ الأُسَرِيِّة و الاجْتِمَاعِيَّةِ
و عَلاقَةُ الْرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ، و هِيَ مَسَائِلُ لا يَسْهُلُ عَلَىَ
الْعَقْلِ الْبَشَرِيَّ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِمَعْرِفَتِهَا، و هَذِهِ الْعَلاقَةَ
مِنْ أَهَمِّ أُسِّسَ صَلاحُ الْمُجْتَمَعَاتِ الإنْسَانِيّةِ، و الْمُتَدَبِّرُ
لِلْسوْرَةِ الْكَرِيْمَةِ يُدْرِكُ أَنَّ تَحَقُّقِ الْعِلْمِ و الْعَمَلُ بِمَا
جَاءَ فِيْ الْسَّوْرَةِ يَضْمَنُ لَنَا الأَسَاسِ لْهِدَايَةٍ حَقِيْقِيَّةٍ
لِلْفَرْدِ و الْمُجْتَمَعِ.
النُّور: الضوء هُو عِلْمِيّا مَوْجَاتٌ
كهَروَمَغْنَاطِيسِيّةً تَتَكَوَّنُ مِنْ مَجَالٍ كَهْرَبَائِيٍّ مُتَغَيِـّرٍ
يَتَوَلَّدُ مِنْ مَجَالٍ مِّغْنَاطِيِسِيٍّ مُتَغَيِّـرٍ و مُتَعَامَدِينَ عَلَىَ
بَعْضهما يَسِيْرَانِ بِخَطٍّ مُسْتَقِيْمٍ بِسُرْعَةِ ٣٠٠ أَلْفِ كِيْلُومِتْـرٍ
بالثانيةِ، و عِنْدَمَا يَنْعَكِسُ هَذَا الْضَوْءُ عَلَىَ الأَجْسَامِ
الْمَادِّيَّةِ يَكْشِفُ لَنَا جُزْءَاً مِنْ حَقِيْقَتِهَا، كَالشَّكلِ و الْلَّوْنِ..
إلْخَ، و مِنْ هُنَا نَقُوُلُ أَنَّ الْضَّوْءَ (نُوَرٌ)، لأَنَّهُ يُوَصِّلُنَا
إِلَىَ حَقَائِقِ الأَشْيَاءِ، فَهُو كُلُّ مَا يُوَصِلُكَ إِلَىَ كُنْهِ
الأَشْيَاءِ و صِفَاتِهَا و حَقَائِقِهَا، و ذَهَابُ الْنُوْرِ و انْعِدَامُهُ
هِيَ الْظُّلُمَاتُ {وَ مَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَ الْبَصِيرُ (١٩) وَ لا الظُّلُمَاتُ وَ لا النُّورُ (٢٠) وَ لا الظِّلُّ وَ لا
الْحَرُورُ} فاطر: ١٩ –
٢١،
فَالظُّلُمَاتِ سِتْرٌ و حُجُبٌ تَحَجُبُ حَقَائِقَ الأَشْيَاءِ، فَالضَّلالَةُ
تُلازِمُ الْظُّلُمَاتِ، و الْهِدَايَةُ تُلازِمُ الْنُّوْرَ.
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ: الْمِشْكَاةُ هِيَ الْكُوَّةُ أَو(الْطَّاقَةُ)
أَو الْفَتْحَةُ فِيْ الْجِدَارِ، و هِيَ غَيْـرُ نَافِذَةٍ، و كَانَتْ فِيْ
الْقَدِيْمِ تُجْعَلْ فِيْ جِدَارِ الْغُرْفَةِ لِيُوْضَعَ فِيْهَا السِّرَاجُ، و لأَنَّ
الْكُوَّةَ مُغْلَقَةٌ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ إِلاّ جِهَةً وَاحَدةً إِلَىَ
دَاخِلِ الْغُرْفَةِ (مثل الإضاءة المخفية هذه الأيام)، فَقَدْ كَانَتْ
وَظِيْفَتُهَا جَمْعُ شَتَاتِ الْضَّوْءِ الصَادرِ عَنْ السِّرَاجِ ثُمَّ
تَوْجِيْهُهُ بِقُوَّةٍ إِلَىَ دَاخِلِ الْغُرْفَةِ، ثُمَّ هِيَ أَيْضاً تَحْفَظُ
السِّرَاجَ بِدَاخِلِهَا، و الْيَوْمَ يُمْكِنُ أَنْ نُشَبِّهَ مِصْبَاحَ
الْسَّيَّارَةِ الأَمْامِيّ بِالْمِشْكَاةِ (مصابيح الزينون)، لأَنَّ مُهِمَّتَهُ
جَمْعُ شَتَاتِ ضَوْءِ الْمِصْبَاحِ ثُمَّ تَوْجِيْهُهُ إِلَىَ أَمَامَ
الْسَّيَّارَةِ فَيُضِيءُ بِكَامِلِ قُوَّةِ الإِضَاءَةِ إِلَىَ الأَمَامِ.
الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ: عِنَدَمَا يَكُوْنُ الْمِصْبَاحُ الْمُوَلِّدُ لِلْنُورِ فِيْ
زُجَاجَةٍ فسَتَشْتدّ الإِضَاءَةُ، و هَذَا مَلْحُوْظٌ فِيْ وَاقِعِ الْنَّاسِ، و عِنْدَمَا
تَكُوْنُ الزُّجَاجَةُ شَفَّافَةٌ و صَافِيَةٌ و نَظِيْفَةٌ تَكُوْنَ الإِضَاءَةُ
أَشَدَّ.
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ: الزُّجَاجَةُ فِيْ صَفَائِهَا تُشْبِهُ
الْكَوْكَبُ الْمُتَلأْلِئِ الَّذِيْ هُو كَالْدُرِّ فِيْ صَفَائِهِ و بَهَائِهِ و
إِزْهَارِهُ، فَتَكُوْنَ الإِنَارَةُ أَشَدّ و أَصْفَىْ و أَبْهَىْ.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ: لِلْوَقُوْدِ و نَوْعِ
الْمَادَّةِ الْمُسْتَخْدَمْة فِيْ تَوْلِيْدِ الْضَّوْءِ دَوْرٌ أَيْضاً فِيْ
شِدَّةِ الإِنَارَةِ و بَهَائِهَا، فَكَوْنُ الْوَقُوْدِ صَافِيَاً فِيْ
الْمِصْبَاحِ فُسَيُساعِدُ أَكْثَرَ فِيْ إِنْتَاجِ إِنَارَةٍ قَوِيَّةٍ.
شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا
شَرْقِيَّةٍ و لا غَرْبِيَّةٍ: الْزَّيْتُونُ الَّذِيْ يَتَعَرَّضُ طِوَالَ
الْنَهَارِ لِضَوْءِ الْشَّمْسِ يَكُوْنُ زَيْتُهُ أَشَدُّ صَفَاءً و بَهَاءً،
فَعِنْدَمَا تَكُوْنُ الْشَّجَرَةُ شَرْقِيَّةً تَتَعَرَّضَ لِضَوْءِ الْشَّمْسِ
فِيْ الْصَّبَاحِ دُوْنِ الْمَسَاءِ، و عِنْدَمَا تَكُوْنُ غَرْبِيَّةً
تَتَعَرَّضَ لِضَوْءِ الْشَّمْسِ مَسَاءً دُوْنِ الْصَّبَاحِ، و حَتَـّىَ يِمْكِنْ
أَنْ تَتَعَرَّضَ لِلْشَّمْسِ طَوَالَ الْنَّهَارِ لا بُدَّ أَنْ تَكُوْنَ فِيْ
مَوْقِعِهَا لا شَرْقِيَّةٍ و لا غَرْبِيَّةٍ، و هَذِهِ الْحَالَةُ لَهَا عِدَّةُ
صُوَرٍ، أَمْثَلُهَا أَنْ تَكُوْنَ الْشَّجَرَةُ فِيْ رَأْسِ جَبَلٍ مَثَلاً، مَعَ
الْعِلْمِ أَنَّ الْقُرْآَنَ لَمْ يَشْهَدْ لِشَجَرَةٍ بِالْبَرَكَةِ
كَالَّزَّيْتُوْنَةِ، و الَّتِيْ ذُكِرَتْ فِيْ الْقُرْآَنِ سَبْعُ مَرَّاتٍ مَعَ
زَيْتِهَا.
يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ: فَمِنْ شِدَّةِ صَفَاءِ الزَّيْتِ
و بَهَائِهِ يَكَادُ يُضِيَءُ بِنَفْسِهِ، و صَفَاءُ الْزَّيْتِ بِالإِضَافَةِ
إِلَىَ لَوْنِهِ الْبَهِيِّ يَجْعَلُهُ يُنِيْرُ و يَتَلأْلأُ لأَدْنَىَ ضَوْءٍ
يَمَسُّهُ.
نُورٌ عَلَى نُورٍ: مِصْبَاحٌ تُحِيْطُ بِهِ
زُجَاجَةٌ شَفَّافَةٌ صَافِيَةٌ بَهِيَّةٌ، و وُقُوُدٌ صَافِيٌ بَهِيٌّ
مُتَلأْلِئٌ مُسْتَمَدٌ مِنْ شَجَرَةٍ تَتَوَافَرُ لَهَا كُلُّ الْشّرُوْطِ
المَطْلُوْبَةِ لِعَطَاءٍ فَيَّاضٍ، فَهِيَ شَجَرَةٌ مُبَارَكَةٌ و مُبَارَكٌ
أَصْلُهَا و مِثَالِيٌّ مَوْقِعِهَا، كُلّ ذَلِكَ فِيْ مِشْكَاةٍ مُهِمَّتُهَا
جَمْعُ شَتَاتِ الْنُّوْرِ و تَوْجِيْهُهُ الاتِّجَاهَ الْمَطْلُوْبِ لِيُحَقِّقَ
الْهَدَفْ.
الآَنَ
كُلُّ عُنْصُرٍ مِنْ هَذِهِ الْعَنَاصِرَ الْمَادِّيَّةِ يُقَابِلُهَا عُنْصُرٌ
فِيْ عَالَمِ الْمَعَانِيْ كَمَا يَلِيَ:
أولاً: الَمِشْكَاةُ يُقَابِلُهَا الْمَسْجَدُ الَّذِيْ
يُجَمَّعُ أَهْلَ الإِيْمَانِ و الْعَمَلِ و الَّذِيْنَ هُمْ أَهْلُ الأَنْوَارِ،
فَيَقُوْمَ بِجَمْعِ شَتَاتِهِمْ ثُمَّ يُوُجّهُهُمُ لِيَنْعَكْسَ كُلُّ ذَلِكَ
خَارِجَ الْمَسْجِدِ، أَيْ فِيْ صَعِيْدٍ ِالمجتمعِ و بِهَذَا تَكُوْنُ
الْصُوَرَةُ قَدْ اكْتَمَلَتْ.
ثانياً: الْمِصْبَاحُ يُقَابِلُهُ الْعَقْلُ الْإنساني
فَالْعَقْلُ نُوُرٌ، و هُو وَسِيْلَتُنَا لإِدْرَاكِ حَقَائِقِ الأَشْيَاءِ و الله
U خَلَقَهُ
لِيُنِيْرَ لَنَا.
ثالثاً: الزُّجَاجَةُ يُقَابِلُهَا الْنَّفْسُ
الْبَشَرِيَّةُ الشَّفَّافَةُ، فَعِنْدَمَا تَكُوْنُ الْنَّفْسُ مُدَنَّسَةٌ
بِالْمَعَاصِيْ فَإِنَّهَا تَنْعَكِسُ سَلْبَاً عَلَىَ عَطَاءِ الْعَقْلِ،
تَمَامَاً كَمَا يَحْصُلُ عِنْدَمَا تَتَـرَاكَمُ الأَتَرِبَةُ و الأَوْسَاخُ
عَلَىَ سَطْحِ زُجَاجةِ الْمِصْبَاحِ، فتَرْبِيَةُ النَّفَسِ و تَزْكِيَتُهَا
تُؤَدْيِّ إِلَىَ صَفَائِهَا و بَهَائِهَا بِحَيْثُ تَزِيْدُ مِنْ نُوْرِ
الْعُقْلِ و قُوَّةِ الإِدْرَاكِ، و عَلَىَ وَجْهِ الْخُصُوْصِ فِيْمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقَائِقِ الْكَوْنِ
الْجَوْهَرِيَّةِ، أَيْ الْمُتَعَلِّقَةُ بِأُمُوْرِ الْدِّيْنِ و الْطَرِيقِ
إِلَىَ الله I، فَاللَّهُ I غَايَةٌ
شَرِيْفَةٌ لا يَصِلُهُا الإِنْسَانُ إِلا بِوَسَائِلٍ شَرِيْفَةٍ عَلَىَ خِلافِ
حَقَائِقِ الْكَوْنِ الْمَادِّيَّةِ.
رابعاً: الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بِالبْرِيقِ الْنَّاتِجُ عَنْ
الْعَقْلِ الْبَشَرِيِّ الْمُدْرِكُ.
خامساً: شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا
شَرْقِيَّةٍ و لا غَرْبِيَّةٍ يُقَابِلُهَا الْوَحْيِ، فَالْوحِيّ لا يُنْسَبُ إِلَىَ
جِهَةٍ أَرْضِيَّةٍ، بَلْ هُو سَمَاوِيَّ عُلْوِيّ، ثُمَّ هُو عَطَاءُ إِيْجَابِيّ
مُبَارَكٌ لا يَنْتَهِيَ عِنْدَ حَدّ.
سادساً: يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَ لَولَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ فَالَوَحْي يُنِيِـر لَك و يَهْدِيَك حَتَّى قَبْل أَن تُعْمِل فِيْه
الْعَقْلَ و الْفِطْرَةَ.
إِذَاًْ
خُلاصَةُ هَذِهِ الْصّوَرَةُ أَنَّ الْعَقْلَ مِصْبَاحٌ يُنِيْـرُ لَنَا و يُوَصِّلُنَا
إِلَىَ إِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ، و لَكِنَّهُ يَبْقَىْ قَاصِرَاً عَنْ تَحْقِيْقِ
الْمَطْلُوْبَاتِ، فَلا بُدَّ مِنْ تَزْكِيَةِ الْنَّفْسِ أَيْضاً لِيَتَكَامَلَ
نُوَرُ الْعَقْلِ و الْنَّفْسِ و يُشِعُ مِنْهَا الْنُوْرُ.. الآن..
· اهْتَمَّ
الْفَلاسِفَةُ بِالْعَقِلِ و أَهْمَلُوَا تَزْكِيَةِ الْنَّفْسِ فَبَقِيَتْ
الْفَلَسْفَةُ قَاصِرَةً عَنْ هِدَايَةِ الإِنْسَانِ إِلَىَ جَوْهَرِ الْحَقَائِقِ
كَوَاضِعِ الْمِصْبَاحِ فِيْ زُجَاجَةِ مُعْتِمَةِ و دُوْنَ وَقُوْدٍ،
فَالْفَلسَفةُ بَعِيْدَاً عَنْ هَدْيِ الْوَحْيِ ضَلالٌ و مَتَاهَاتٌ..
· اهْتَمَّ
أُهِلُّ الْتَّصَوُّفِ بِتَزْكِيَّةِ الْنَّفْسِ و قَصَّرَوُا عَنِ الاهْتِمَامِ
بِالْعَقِلِ فَأَصْبَحَتْ الزُجَاجَةُ بِرَّاقَةً و دَاخِلُهَا مِصْبَاحٌ ضَعِيِفٌ
و يَفْتَقِدُ الْوَقُودَ، فَالتَّصَوُّفُ بَعِيْدَاً عَنِ الْمَنْهَجِ
الْمُسْتَمَدِّ مِنْ الْوَحْيِ ضَلالاتٌ و هُيَامٌ عَلَىَ غَيْرِ هُدَىً.
إذاً فَالمَنَهِجَانَ
قَاصِرَانِ عَنْ تَحْقِيْقِ الْتَّرْبِيَةِ الْمُـثـلَىَ، فَلا بُدَّ مِنْ
الْتَّرْبِيَةِ الْمُتَكَامِلَةِ لِلْعَقْلِ و الْنَّفَسِ مَعَاً، و أَنْ
يَسْتَمِدُّ الْعَقْلُ الْعِلْمَ مِنْ الْوَحْيِ، و أَنْ تَكُوْنَ تَزْكِيَةُ
الْنَّفْسِ عَلَىَ أَسَاسٍ مِنَ الوحي أَيْضاً.. و عِنْدَمَا يَنْتَهِيَ الْكَلامُ
عَنْ الْعَنَاصِرِ الْمَادِّيَّةِ الْمِشْكَاةُ و الْمِصْبَاحُ و الزُّجَاجَةُ و الْوَقُودُ
فِيْ هَذَا الْمَثَلِ، تَأْتِيَ الآَيَاتُ فِيْ السِّيَاقِ بَعْدَهُ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ
فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُو وَ الآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لا
بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقَامِ الصَّلاةِ وَ إِيتَاءِ الزَّكَاةِ
يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الأَبْصَارُ}
النور: ٣٦
– ٣٧، بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الآَيَتَيْنِ ٣٥ و٣٦:”كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ.. فِي بُيُوتٍ.. يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا.. رِجَالٌ“، و غنـيٌّ عن البيانِ أنَّ
دورَ المرأةِ في المسجدِ دون دورِ الرَّجُلِ، و دورُ الرَّجُلِ في البيتِ دونَ
دورِ المرأةِ.
الْرَّجُلُ و الْرِّجَالُ فِيْ الْقُرْآَنِ الْكَرِيْمِ
لَهُمْ صِفَاتٌ غَيـْرُ الْذُكُوْرَةِ، فَحِيْنَمَا يَقُوْلُ I {مَا جَعَلَ
اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَ مَا
جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَ مَا
جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَ اللَّهُ
يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُو يَهْدِي السَّبِيلَ}
الأحزاب: ٤، فَلَفْظُ رَجُلٍ هُنَا بِمَعْنـَى شَخْصٌ ذَكَرٌ
فَقَطْ لأَنَّ الأُنْثـَىْ قَدْ تَحْمِلُ و يَكُونُ فِي جَوْفِهَا قَلْبَهَا و قَلْبَ
اِبْنَهَا، فتُوْجَدُ حَالاتٍ تُخَصَّصُ فِيْهَا كَلِمَةُ رَجُلٍ و هِيَ كَمَا
يَلِيَ:
o قَدْ
يَدُلُ لَفْظُ رَجُلٍ بِالْقَرِيْنَةِ
عَلَىَ أَنَّ هَذَا الْشَّخْصَ رَجُلٌ ذَكَرٌ، كَقَوْلِ الْمُشْرِكِيْنَ عَنِ
الْنَّبـِيِّ نُوْحٍ u {إِنْ هُو إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ
فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} المؤمنون: ٢٥
o قَدْ
يَأْتِيَ لَفْظُ رَجُلٍ بِمَعْنـَى الذَّكَرُ فِيْ مُقَابِلِ
الأُنْثـَى أَو الْمَرْأَةِ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَ بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَ نِسَاءً وَ اتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَ الأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء: ١.
o قَدْ
يَعْنـِيْ رَجُلٌ و رِجَالٌ مَفْهُوْمَ
الْرُّجُوْلَةِ و الشَّهَامَةِ و لَيْسَتْ مُجَرَدَ الْذُكُوْرَةِ، و مِنْ
الْطَبِيْعِيْ أَنْ يَرْتَبِطَ ذَلِكَ الْمَعْنَىْ بِمَوْقِفٍ تَبْدُو فِيْهِ
الْحَاجَةُ لِلشَهَامَةِ و الْرُجُوْلَةِ، و هُنَاكَ عِدَّةُ حَالاتٍ مِنْهَا:
–
فِيْ غَزْوَةِ
الأَحْزَابِ يَقُوْلُ I {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا
اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ مَا
بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} الأحزاب: ٢٣.
–
فِيْ قَصَصِ
الأَنْبِيَاءِ فِيْ الْقُرْآَنِ نَجِدُ أَمْثِلَةً عَدِيْدَةً لِلْرِّجَالِ فَفِيْ
قَصَّةِ لُوْطٍ u حِيْنَ هَجَمَ قَوْمُهُ عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ {وَ جَاءَهُ قَوْمُهُ
يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَ مِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا
قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لا
تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} هود: ٧٨، فَكَانَ يَتَسَاءَلُ
عَنْ وُجُوْدِ رَجُلٍ شَهْمٍ بَيْنَهُمْ يَشْعُرُ بِالْخِزْيِ و الْعَارِ.
–
فِيْ قِصَّةِ
الْقَرْيَةِ الَّتـِيْ أَرْسَلَ الله لَهَا اثْنَيْنِ مِنْ الأَنْبِيَاءِ
فَكَذَّبُوْهُمَا فَأَرْسَلَ لَهَا رَسُوْلاً ثَالِثَاً فَكَذَّبَتْهُمْ
جَمِيْعَاً {وَ
جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا
قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}
يس: ٢٠، فَذَلِكَ شَخْصٌ
مَجْهُوْلٌ وَصَفَهُ الْقُرْآَنُ بِالرُجُوْلَةِ و الْشَّهَامَةُ لأَنَّهُ جَرُؤَ
عَلَىَ أَنْ يُوَاجِهَ قَوْمِهِ بِالْحَقِّ، و نَفْهَمُ مِنْ الْسَّيَاقِ
أَنَّهُمْ قَتَلُوْهُ بِسَبَبِ جُرْأَتِهِ فِيْ الْدِّفَاعِ عَنْ الْحَقِّ {قِيلَ ادْخُلِ
الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ
الْمُكْرَمِينَ} يس: ٢٦ – ٢٧.
–
فِيْ قِصَّةِ مُوْسَىْ u أَكْثَـرُ مِنْ مَوْقِفٍ لِلْرُجُوْلَةِ، فَحِيْنَ قُتِلَ
الْمِصَريّ الْمُعْتَدِيَ عَلَىَ سَبِيِلِ الْخَطَأِ و تَآَمَرُوْا عَلَيْهِ،
فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ جَاءَ مِنْ أَقْصَىْ الْمَدِيْنَةِ مُتَطَوِّعَاً بِعَمَلٍ
قَدْ يَكْوُنَ فِيْهِ هَلاكُهُ {وَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى
الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ
لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} القصص: ٢٠
–
حِيْنَ عَزَمَ
فَرْعَوْنُ عَلَىَ قَتْلِ مُوْسَىْ u هَبَّ رَجُلٌ مِنْ مَلأِ فِرْعَوْنَ يُدَافِعُ عَنْ مُوْسَىْ u {وَ قَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ
فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ
اللَّهُ وَ قَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَ إِنْ يَكُ كَاذِبًا
فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُو مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} غافر: ٢٨
–
حِيْنَ خَافَ قُوَّمُ
مُوْسَىْ u دُخُوَلَ الأَرْضِ الْمُقَدّسَةِ الَّتـِيْ كَتَبَهَا الله لَهُمَ
قَالَ رَجُلانِ شُجَاعَانَ لا يَخَافَانِ إِلاّ الله {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ
يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا
دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَ عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} المائدة: ٢٣
o
تَأْتِيَ كَلِمَةُ رِجَالاً بِالذَّاتِ تُفِيْدُ
الْمَشْيَ عَلَىَ الْرِّجْلَيْنِ أَو الْقَدَمَيْنِ فِيْ مُقَابِلِ الَّذِيْ
يَرْكَبُ، فَفِيْ الْصَّلاةِ عِنْدَ الْخَوْفِ {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَو رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ
فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} البقرة: ٢٣٩، أَيْ صَلُّوْا عِنْدَ
الْخَوْفِ و أَنْتُمْ رَاجِلُوْنَ سَائِرُوْنَ أَو أَنْتُمُ رَاكِبُوْنَ، {وَ أَذِّنْ فِي
النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَ عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ
يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} الحج: ٢٧ .. أَيْ مُتَـرَجِّلِيْنَ
أَو يَرْكَبُوْنَ الْدَّوَابِّ الَّتِـيْ ضَمُرَتْ أَجْسَادُهَا مِّنْ الْسَّيَرِ
فِيْ الْبَيْدَاءِ و الْصَّحْرَاءِ.
o {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ…} النساء: ٣٤.. و الرجل هنا من يعمل
و يقوم بالصرف على العائلة ذكراً كان أم أنثى.
بَعْدَ
أَنْ عَرَفْنَا صِفَاتِ الْنَّوْرِ الَّذِيْ سَيُنِيرُ لَنَا الْطَّرِيْقَ وحَدَّدْنَا
شَخْصِيَّةَ الْرِّجَالِ الَّذِيْنَ سَيَحْمِلُوْنَ هَذَا النَّوْرَ، فَلِلْكتابِ
الْكَرِيْمِ الْقُدَرَةُ عَلَىَ أَنْ يَكْشِفَ لَهُمْ أَسْتَارَ الْغَيْبِ {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ
الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ
عَلَى الْغَيْبِ وَ لَكِنَّ
اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ
إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}
آل عمران:
١٧٩،
فَتَعَالَوا مَعِيَ نُحَدِّدَ مَاهِيَّةِ الْغَيْبِ الَّذِيْ يُمْكِنُ كَشَفُه
مِنْ الْكتابِ الْكَرِيْمِ.
الْكتابُ
الْكَرِيمُ بِمَا يَحْتَوِيْهِ مِنْ عُلُوْمٍ و حَقَائِقٍ فَهُو لَيْسَ بِبَخِيلٍ
عَلَيْنَا فِيْ كَشْفِ أَسْتَارِ الْغَيْبِ، و يَتَّضِحُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ I {إِنَّهُ
لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠)
مُطَاعٍ ثُمَّ أَمِينٍ (٢١) وَ مَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَ لَقَدْ رَآهُ
بِالأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَ مَا هُو عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَ مَا هُو بِقَوْلِ
شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} التكوير:١٩-٢٥، فَهَذَا الْقَوْلُ فِيْ حَقِّ الْكتابِ
الْكَرِيِمِ و يَعْنـِيْ أَنَّ الْقُرْآَنَ لَيْسَ عَلَيْنَا بِبَخِيلٍ فِيْ
كَشْفِ أَسْتَارِ الْغَيْبِ.. فمنه يُمْكِنُ تَقْسِيْمُ الْكَوْنَ الْمَخْلُوْقَ
(عَالَمُ الْخَلْقِ و هُو غَيْـرَ عَالَمِ الأَمْرِ) إِلَىَ عَالَمَيْنِ، عَالَمُ
غَيْبٍ و عَالَمُ شَهَادَةٍ، فَمَا جَهِلَهُ الإِنْسَانُ فَهُو عَالَمُ الْغَيْبِ و
مَا عَلِمَهُ فَهُو عَالَمُ الشَهَادَةٍ، و عِنْدَمَا وُصِفَ الْكتابُ الْكَرِيِمُ
و كَذَلِكَ كُلِّ الرِّسَالاتِ الْرَّبَّانِيَّةِ بِأَنَّهَا نُوَرٌ {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ
فِيهَا هُدًى وَ نُورٌ…} المائدة: ٤٤، فَالَّنُّوْرُ كّلُّ مَا
يُوَصِلُكَ إِلَىَ حَقَائِقِ الأَشْيَاءِ و يَنْقُلُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ مِنْ
عَالَمِ الْغَيْبِ إِلَىَ عَالَمِ الْشَّهَادَةِ، و مِنْ الْدَّلالاتِ قَوْلُهُ I فِيْ حَقِّ
الْكتابِ الْكَرِيْمِ {…وَ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُدًى وَ رَحْمَةً وَ بُشْرَى
لِلْمُسْلِمِينَ} النحل: ٨٩، فَهُو الْـمُبَيِّنُ لِكُلِّ
شِّيّءِ و مَا مِنْ غَيْبٍ إِلاَّ و الْكتابُ قَابِلٌ لتَبْيِينِهِ.
Good